"فاميلي هاوس"

 بعد تحرير الموصل، سينتقل الحشد الشعبي العراقي إلى سورية لتحرير مدينة الرقة من قبضة"داعش". إذن هو قطار الحرب الطائفية يمضي من مدينة إلى مدينة، ولا يكترث بالحدود بين الدول. اضافة اعلان
طموح تركيا لايقف عند حدود المنطقة الآمنة قرب أراضيها؛ بعد جرابلس ودابق السوريتين، تتقدم المليشيات المدعومة من الجيش التركي نحو بلدتي الباب ومنبج، وصولا إلى الرقة.
تركيا هناك في العراق، وهنا في سورية.  إيران في قلب المعركة العراقية، وفي مقدمة القوى المقاتلة في سورية. الحرب الطائفية على الأرض وبرعاية روسية أميركية من الجو.
انتهينا من مرحلة الحرب على سورية والعراق واليمن وليبيا. فكل تلك الدول دخلت الحرب مرحلة جديدة بعدما انهارت الكيانات الوطنية؛ صارت حرب مدن، وأحياء وحارات. بالأمس زفت المعارضة السورية لوكالات الأنباء خبر سيطرتها على مول تجاري "فاميلي هاوس" في أطراف حلب. غدا ستستعيد قوات النظام "المول" ليدرج في سلسلة انتصاراتها المؤزرة!
في اليمن لا كيان موحدا ولا مايحزنون؛ المواجهة مستعرة على المدن؛ صنعاء وتعز. حرب طائفية بامتياز، تتلاعب فيها قوى خارجية حسب مصالحها.
في ليبيا أتحدى أي محلل سياسي يستطيع أن يرسم خريطة للقوى المتصارعة. لكل مدينة حربها وتحالفاتها الخاصة بها. فسيفساء من الجماعات المسلحة تتصارع على سلطة مجهولة الهوية والعنوان. لانسمع في الأخبار سوى عن مدينة سرت، وحرب لاتنتهي مع"داعش".  منذ أسبوعين قالت الأخبار إن هناك انقلابا حدث في ليبيا.  من قام في الانقلاب وعلى من لا أحد يعلم. ليتبين لاحقا أنه محصور في العاصمة، التي لها حكومة غير تلك الحكومات التي تحكم في أقاليم أخرى.
غضب كثيرون من تلميحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري قبل أيام عن خطر تقسيم سورية، وكأن سورية بلد موحد لنخشى عليه من التقسيم. المدينة الواحدة باتت مقسمة إلى أحياء تتقاسم الفصائل السيطرة عليها.
بعض دولنا أمست أنموذجا فريدا في قاموس الأنظمة السياسية. هل سبق أن كان هناك بلد واحد يخضع لثلاثة أو أربعة أنظمة حكم مختلفة. في سورية عشرة تقريبا؛ حكومات النصرة وداعش وأحرار الشام والنظام وتركيا وإيران. في العراق لغاية الآن مالايقل عن ثلاثة من أنظمة الحكم. الموصل وحدها مرشحة لتكون مدينة متعددة الأنظمة، هذا إذا أصرت القوى المتصارعة على تقسيمها بعد تحريرها.
اليمنيون لم يعودوا يخشون خطر انفصال الجنوب عن الشمال، لابل إن هذا أصبح مطلبا مشروعا لأهل الجنوب. الخوف أن لايظل شمال في اليمن ولا جنوب، بل حكومات مدن وفصائل؛ فالسلطة الشرعية منقسمة على نفسها، وتنظيم القاعدة يمسك بمناطق واسعة،  والحوثيون لن يتعايشوا طويلا مع جماعة علي عبدالله صالح، وهكذا تمضي الأمور.
الحديث عن حلول سياسية في هذه الدول تعود بها كما كانت قبل الانهيار سذاجة خالصة.  هى حروب طائفية إثنية جهوية مستعرة، تعود بالمجتمعات إلى عصر ماقبل الدولة الحديثة. ومن لديه شك فليراقب الحال في السنوات المقبلة.
الظاهر أن دولنا هذه ستغدو عما قرب "فاميلي هاوس".