فتاة خطرة!

كنتُ أنتظر أن يقوم وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، برفع صورة الفتاة عهد التميمي، وهو يتحدث عن الاحتلال والجرائم التي يقوم بها، لكنّه للأسف لم يفعل، واكتفى بإشارات إلى بعض ضحايا الاحتلال، ومن ضمنهم عهد (من دون أن يذكر اسمها)!اضافة اعلان
كانت فرصة سانحة لاستثمار الرمزية التي حازتها عهد، عبر صورها المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الفضائيات العالمية، وتمكنت هذه الفتاة الشقراء الصغيرة من كسر القالب النمطي الإعلامي والسياسي، الذي أراد الاحتلال الإسرائيلي زجّ صورة الفلسطينيين من خلاله.
أشير هنا إلى ضرورة قراءة المقال المهم "عهد التميمي فتاة خطرة!" لأستاذة الدراسات اليهودية والدينية في جامعة أدنبرة، نينيا فيشر (الذي نشرته على موقع مشروع امرأة خطرة، وترجمه لـ"الغد" الزميل القدير علاء أبو زينة)، لأنّ الكاتبة المتخصصة بالنسوية والقضية الفلسطينية والدراسات اليهودية تقدّم إطاراً متماسكاً لأهمية استثمار نموذج عهد التميمي في كسر الدعاية الصهيونية، وتخليق نمطية جديدة تفضح الاحتلال وأعماله، وتعزز الرواية الفلسطينية في مقابل روايته، وتحشد في سبيل تظهير فكرتها كمّاً كبيراً من الآراء والأفكار والنظريات الجديدة في الإعلام والاجتماع، التي تؤكّد أنّ هذه الفتاة يمكن أن تقلب الطاولة على إسرائيل.
بالطبع تخلص فيشر في مقالتها إلى أنّ عهد ليست خطرة بالمعنى المعروف (الذي تحاول إسرائيل ترويجه؛ الفلسطينيون إرهابيون وأصوليون ومعادون للسلام)، فهي في نهاية اليوم تدافع عن حقها في الحياة، وعن شقيقها الكبير في مواجهة جنود مسلّحين، وتخوض غمار الاحتجاج السلمي، لكنّها خطرة على الدعاية والرواية الإسرائيلية وهذا هو بيت القصيد.
طالما عمل الاحتلال الإسرائيلي على تأطير النضال الفلسطيني في حزمة الإرهاب، الذكورية، الأصولية، وحتى الأطفال عمل الإسرائيليون على قلب الصورة (بمعنى أنّ أهاليهم يرسلونهم إلى الموت عبر المواجهة مع الاحتلال)، الآن تأتي هذه الفتاة الصغيرة، التي ترتدي الملابس الحديثة، ذات الشعر الأشقر المجعّد، التي تتبنى مع عائلتها مبدأ المقاومة السلمية لتدمّر هذه الصورة وتخلق صورة جديدة للنضالية الوطنية الفلسطينية، وتؤنسن هذه الرواية وتمنحها الجانب الأخلاقي والأدبي في المجتمع المعولم، مع صعود سلطة شبكات التواصل الاجتماعي، التي كسرت الاحتكارات الإعلامية والسلطوية السابقة.
اليوم ما تقدّمه عهد التميمي، كنموذج إنساني نضالي سلمي فلسطيني، في الحدّ الأدنى يمثّل أحد أشكال النضال وفضح الاحتلال ومواجهة الصورة النمطية التي سعى عبر ماكينته الإعلامية والسياسية الضخمة عالمياً في تكريسها عن الفلسطينيين. فهذه الفتاة الصغيرة يمكن أن يتم استنساخ آلاف النماذج منها، وهي موجودة فعلاً، لكنّنا لم نقدّمها في الإطار الإعلامي المطلوب!
هذا وذاك يقودنا اليوم إلى أهمية إعادة النظر في روايتنا السياسية والإعلامية وفي كيفية صوغ هذه الرواية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بالتركيز –في الحدّ الأدنى- على أهمية الفنّ والأغنية والصورة والقصة والجانب الإنساني والقانوني والأخلاقي في المجتمع الدولي لمواجهة الرواية الإسرائيلية والصهيونية.
بالرغم من الإخفاقات الاستراتيجية جرّاء ما يحدث في المنطقة، وبالرغم كذلك من الإدارة المتصهينة وحالة الانقسام الفلسطيني، فإنّ هنالك جانباً مضيئاً في الصراع، سواء عبر صعود حركة مقاطعة إسرائيل BDS، وتحولات نوعية في المواقف الأوروبية الرسمية، وفي أوساط المجتمع المدني، وهو اتجاه من الضروري المضي فيه إلى أبعد مدى، طالما أنّه على الأقل المتاح حالياً إلى حين ميسرة..