فتوى أفيخاي..!

ثمة ما هو مستفز جداً في كل ما يقوله المدعو أفيخاي أدرعي، "المتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي للإعلام العربي"، كما يُعرفه "تويتر". وربما كان من الأفضل عدم الاستماع إليه لتجنب هذا الاستفزاز. ولا أعرفُ في الحقيقة إذا كان عمله يستحق الراتب الذي يتقاضاه إذا كان الهدف هو التأثير في الرأي العربي وتحويله لجهة دعم كيان الاحتلال الذي يمثله. لكنهم ربما يدفعون له ليقهر العرب بتذكيرهم بحقيقة ضعفهم، وبأن "الحق" تصنعه القوة التي تمنح الشر لساناً.اضافة اعلان
لكنّ بالإمكان الاستماع إلى أدرعي هذا من منطقين: أولاً، قاعدة "إعرف عدوك"، حيث يوفر مادة لدراسة النفسية المريضة التي تجعل الكيان الصهيوني يعتقد في نفسه الأحقية والذكاء. وعلى سبيل المثال، نشر أدرعي هذا الشهر صورة لجنود من جيشه، مدججين بكامل العتاد العسكري وهم يقتحمون بلدة عربية كما يبدو، وكتب عليها: "صباح الخير من جنود جيش الدفاع، وتقبل الله صلاتكم وصيامكم"! وعلى الصورة عبارة "رمضان كريم". ونشر أيضاً فيديو لمأدبة إفطار عند شخص اسمه "أبو زكي"، وحيا فيه من وصفهم بـ"الجنود المسلمين في جيش الدفاع، والذين يبذلون جهودا كبيرة لحماية إسرائيل ومواطنيها"!
لكنّ هناك فائدة أهم من سماع أدرعي، الناطق بلسان العدو، هي المساعدة في تمييز الأعداء والأصدقاء المحتملين أينما كانوا على أساس القاعدة التي فيها الكثير من المنطق: "عدو عدوك صديقك".فإذا هاجم أدرعي أحدا واجتهد في التأليب عليه وشيطنته، فستعرف أن كيانه وجيشه يخافان من هذا الطرف بالذات ويعتبرانه خطرا على وجودهما المقيت. وكل من يُشكل خطرا على الكيان الصهيوني ويهدد وجوده هو أقرب إلى جانب الخير.
في أحد فيديوهاته السُميّة، يستهدف أدرعي بالهجوم الشرس ثلاثة أطراف، ويربطها معاً باعتبارها "عدوة السلام" الذي يزعم أن كيانه وحلفاءه هم حراسه: حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني، وإيران. ومهما كانت الآراء متفاوتة في هذه الأطراف، فإن هناك حقائق لا يمكن إنكارها بشأنها. بالنسبة لحماس، ما تزال الطرف الفلسطيني الوحيد الذي يحمل السلاح ويشكل شوكة في خاصرة كيان الاحتلال ويشكل جزءاً كبيراً من صداعه وارتباكه. وبالنسبة لحزب الله، ما يزال الطرف العربي الوحيد الذي يناصب الكيان العداء، والذي ألحق به خسائر عسكرية، واستطاع بناء قوة ردع تخيف الاحتلال بعد إرغامه على مغادرة جنوب لبنان. أما إيران، فإنها لا تشتبك مع الصهاينة مباشرة، لكن الجميع تقريباً يقولون أنها هي التي تزود حزب الله –وربما حماس- بالسلاح.
من المفارقات أن يخلط أدرعي بين إيران وحزب الله الشيعيين وحماس السنية، ثم يستعين بمرجعيات دينية إسلامية تعتبر إلى حد كبير مصدر التشدد الأصولي الذي أنجب تنظيمي القاعدة و"داعش"، للتأليب الطائفي ضد الشيعة. والذي يسمع أدرعي ولا يرى صورته القبيحة باللباس العسكري سيتعتقد أنه يسمع أحد منظِّري الجهادية العنيفين. ومباشرة، يمكن تعقب مصلحة العدو التي لا تخفي في الانقسام الطائفي داخل الإسلام. وفي الحقيقة، نجحت الأطراف المعادية للمنطقة في استحداث عداء إسلامي-إسلامي مرير على أساس طائفي، بينما الأصل في المنافسة الإقليمية أنها سياسية ومسألة مصالح عملية. وتم تحويل الانتباه عن العدو المختلف الواضح في شكل الكيان الصهيوني. ويجري التجييش الآن لجر المنطقة إلى حرب سيخسر فيها الجميع في الإقليم.
من المهم ملاحظة أن القسمة الطائفية داخل الإسلام، ولو أنها قديمة، لم تكن ظاهرة ومؤثرة قبل بضعة عقود فقط. وينبغي أن يُنظر إلى إيقاظ هذه الاتجاهات العدوانية من الطرفين بعين الريبة، خاصة في ضوء ما أسفرت عنه من توتير وخسائر. وسيظل بالإمكان دائماً العثور على مشتركات أكبر –إذا كان لمصلحة الشعوب أن تكون منطلق السياسات- مع جيران الإقليم ممن لا ترضى عنهم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. ويكفي أن أميركا تبيع الأسلحة بمليارات الدولارات لنا لمواجهة إيران بشكل أساسي بعد أن انسحب العرب من الحرب مع الكيان الصهيوني، وتبتز العرب بمليارات أخرى مقابل الحماية من إيران. لا تخفى مصلحة الكيان.
بأي حسابات، كان من الأفضل دائماً البحث عن المصالح المشتركة لشعوب الإقليم على حساب الغرباء من أصحاب المصلحة في استنزاف المنطقة وتشتيت تركيزها. وفي فتوى أدرعي ما يفيد.