فجوة الثقة اذ تتسع!

اتفق المراقبون مع الاستخلاص الذي خرج به استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية بمناسبة مرور مائة يوم من عمر الحكومة، وهو ان فجوة الثقة في الحكومات آخذة في الاتساع، كما يبين الرسم البياني النازل منذ ان بدأ هذا النوع من الاستطلاعات التي تعاين وضع الحكومة لدى الرأي العام وقادته دوريا، مع بدء تشكيل الحكومة ثم بعد 3 أشهر ثم 6 اشهر ثم سنويا (اذا دامت الحكومة). والخط البياني للحكومة الواحدة يبدأ من نقطة متقدمة، ثم يذهب نزولا مع بعض التذبذب والاستثناءات. لكن الظاهرة الاكبر ان الحكومات المتعاقبة أخذت منحى تنازليا، وصل الذروة مع هذه الحكومة، التي ظهر معها شعار رفض الآلية الدارجة في تشكيل الحكومات.

اضافة اعلان

وقد أظهر الاستطلاع، بصورة استثنائية، هبوطا دراماتيكيا للحكومة بعد مائة يوم من تشكيلها. ويستحسن الانتباه ان هذا ليس حكما حقيقيا على أدائها بعد مائة يوم، بل مؤشر على قوّة تأثير صنّاع الرأي العام الذين أخذوا موقفا سلبيا من الحكومة، تفاعل بصورة صاخبة طوال 3 أشهر حتى جلسة الثقة التي تزامنت مع اجراء الاستفتاء. فليس متوقعا ان يكون المواطن قد قرر خلال اسابيع ان اداء الحكومة في مجال مكافحة الفقر والبطالة والفساد، وهي المحاور التي يظهر الرأي العام اهتماما أعلى بها، ليس متوقعا ان يكون قد بلور حكما يستند الى وقائع فعلية بقدر ما بلور انطباعات، مع استدراك اثر القرار الذي اتخذته الحكومة في هذه الفترة برفع اسعار المشتقات النفطيّة، وكأنه ينقصها تردّي الشعبية!

من زاوية عملية، لا يمكن ربط تدهور الثقة بالحكومات بتدهور ملازم للخط البياني في اداء الحكومات، فأزمة الثقة أصبحت أزمة بنيوية، اساسها ان تغيير الحكومات لم يعد يجدد ثقة المواطن وتفاؤله بالتغيير. واذا استخدمنا تعبير النائب روحي شحالتوغ، فالوزارات كلها من "حزب الحكومة"، الحزب الذي وقف النائب شحالتوغ ليلقي أطرف كلمة باسمه، قائلا: أيها الشعب! نحن نحكمكم منذ نيف وخمسين عاما، لا نقبل التغيير، فمن معنا يحظى بالرضى والبركات، ومن يرفضنا تحلّ عليه اللعنات.

بالطبع، ليس هناك حزب حاكم في الاردن، لكن بصورة ما، فكل الوزارات هي حزب الحكومة، وليس هناك تغيير او تداول حقيقي على السلطة التنفيذية. ولو افترضنا وجود حزب حاكم، فهو عمليا يشكل الحكومات المتوالية بلا انقطاع. وبهذا المعنى، فإن جوهر القضية مع تراجع الثقة بتغيير الحكومات، ان هذا التغيير لم يعد له قيمة ومعنى في عيون الرأي العام. والاستخلاص، بالطبع، ان التغيير المطلوب لم يعد يتعلق بالحكومات، بل بالاساس الذي يقوم عليه تناوب الحكومات.

[email protected]