أشاعت حبات المطر التي تناثرت فوق المناطق العطشى، في الأيام الماضية، أجواء التفاؤل والارتياح في أوساط المزارعين ومربي المواشي، علاوة على بث الطمأنينة في قلوب الأردنيين الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من إعلان الجفاف، عقب انحباس الأمطار لنحو 10
أسابيع.
أمطار الخير منحت الاقتصاد فرصة أخرى، بعد تضاؤل البدائل في الشهرين الأخيرين. إذ أدت هذه الأمطار (بحجم 14 مليون متر مكعب حتى صباح الخميس الماضي) إلى زيادة كميات التخزين المائي في السدود الأردنية إلى مستوى 154 مليون متر مكعب. والمأمول أن تتخطى هذه الكمية المستوى الذي حققته السدود في الموسم المطري الماضي، وبلغ 180 مليون متر
مكعب.
ما يدعو للاسترخاء أن لا ضغط مرتقبا بالطلب على أدوار المياه لري المزروعات من طرف المزارعين، بعد أن تراكمت هذه الطلبات بشكل كبير قبل نحو أسبوع، عندما تسيد الحديث عن الجفاف واستمرار انحباس الأمطار، مع سدود يقل حجم ما فيها بمستوى 30 مليون متر مكعب مقارنة بالعام الماضي. فالتوقعات هي أن تتلاشى هذه الفجوة في التخزين المائي في غضون أيام، لتنتهي كل المخاوف التي رافقت موجات الصقيع وانحباس الأمطار في الشهرين
الماضيين.
إذن، بدد المنخفض الجوي الأخير جدل إعلان الجفاف، وعزز فرص الموسم الزراعي الحالي. ويسجل للحكومة هنا ترويها في التعامل مع مطالب إعلان حالة الجفاف؛ فشروط إعلانه لم تتحقق، كما أن التسرع في مثل هذا الأمر سيكلف الدولة وقطاعها الزراعي كثيرا. وكان من الممكن أن يؤثر إعلان الجفاف على حجم صادرات المملكة من المزروعات، ويتضرر تبعا لذلك العاملون كافة في القطاع الزراعي.
في موازاة هذه التحولات من حديث الجفاف إلى توقعات بموسم زراعي جيد يعزز من قدرات تصدير الخضار والفواكه، فإن الصورة يجب أن تكتمل بشكلها الإيجابي من خلال صرف النظر عن رفع أسعار المياه على المزارعين، بالنسب الكبيرة التي يتوقعها هؤلاء، إضافة إلى تعويض المزارعين الذين تضرروا من ضربات الصقيع التي أتت على مزروعاتهم منذ مطلع العام الحالي. وفي تقديري أن أي محاولات لمساعدة المزارعين، لاسيما الصغار منهم، على تجاوز التحديات التي عصفت بهم منذ بدء الموسم الزراعي الحالي، سيكون لها دور مباشر في تحسين كفاءتهم، ورفد الاقتصاد الوطني بإيرادات إضافية، بعد تقليل الأعباء عليهم، ورفع مستوى إنتاجيتهم للسوقين المحلية والخارجية.
صحيح أن سلطة وادي الأردن تعاني عجزا ماليا مزمنا، وأن شبكة المياه مهترئة في وادي الأردن، ولا قدرة على سد كلفة الصيانة والتشغيل البالغة 20 مليون دينار، هذا عدا عن تضاعف كلفة المياه بشكل كبير منذ نحو عشرين عاما فيما بقيت أسعار المياه على حالها خلال تلك الفترة؛ إلا أن رفع أسعار المياه بالطريقة المقترحة من قبل الحكومة، يعني بالضرورة تشريد المزارعين من أراضيهم، وضمهم إلى صفوف البطالة. ويمكن، في المقابل، قيام سلطة وادي الأردن باقتطاع جزء من إيرادات الأسواق المركزية، والتي تفوق 25 مليون دينار سنويا، لتسخيرها لمشاريع الري التي تقوم بها كوادر السلطة.
بعيدا عن أرقام التخزين المائي، وكلفة المياه، وما يحتاجه المزارعون، والفرص الاقتصادية عموما، فإن ثمة فرحة حقيقية ارتسمت في عيون الأردنيين، عنوانها الأبرز أن المنخفض الجوي الأخير أعاد رسم الأشياء من جديد، وفتح الآفاق بعد ضيق حال.
hassan–[email protected]