وفقاً لكل السيناريوهات الممكنة، هناك سمة وحيدة ثابتة على المدى القريب للمشهد في مصر؛ وهي الدخول في دوامة تجر المصريين كافة، ودولتهم، إلى قاع لا يعرف قراره. وإذا كان الجميع يتوقع الأسوأ المفتوح على كل الخسائر والفظاعات، فدعونا نتخيل السيناريو الأفضل.
بموجب هذا السيناريو المثالي، والمستبعد لشدة تفاؤله، ستنتهي حالة الاضطراب التي تعيشها مصر الآن بشكل غير مسبوق في كل تاريخها ربما، بسيطرة الجيش على مقاليد السلطة لفترة انتقالية، تقبل بها جميع الأطراف؛ إسلاميو الحكم (إخوان وسلفيون)، وقوميو ويساريو وليبراليو المعارضة. ومن ثم، فلا نشهد صراعات “باردة” تشل البلد اقتصادياً واجتماعياً كما حصل طوال الفترة الماضية؛ ناهيك عن حدوث اقتتال تذهب فيه أرواح مصريين بيد أشقائهم في المواطنة، وذلك إلى حين إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة. ثم ماذا؟
ببساطة، العودة إلى تكرار المشهد الحالي، لكن غالباً بشكل أسرع وأسوأ! ففي حال عودة الإسلاميين إلى السلطة، سيعود خصومهم أيضاً إلى فرض حالة استعصاء مماثلة للحالة التي خبرناها منذ عام. وهو الأمر الذي سيعززه الإسلاميون الذين سيكونون بدورهم، وبشكل طبيعي، أكثر تشدداً في فرض رؤيتهم واستئثارهم بالسلطة، بعد أن قسمت مصر إلى فريقين متعاديين، لا يرى كل منهما من مجال لحركته وتقدمه إلا بإقصاء الطرف الآخر.
في المقابل، يبدو باعثاً على تشاؤم أكبر البديل القائم على وصول معارضي الإسلاميين إلى السلطة في الانتخابات المقبلة، المفترضة طبعاً وفق السيناريو الحالم. إذ سيكون بإمكان الإسلاميين ممارسة ما مارسه خصومهم خلال السنة الماضية من حكم الرئيس مرسي؛ بل وادعاء حصول انقلاب وتزوير، وبما يسرع من انهيار الاستقرار مرة أخرى، وصولاً إلى كل مخيف متخيل في بيئة باتت جاهزة تماماً للانفجار والاقتتال!
استناداً إلى ذلك، لا يبقى إلا بديل واحد ممكن؛ وهو حكم عسكري ممتد إلى ما لا نهاية. وإذا كان هذا البديل يرضي، على المدى القصير فقط، المواطن الساعي إلى أمنه ولقمة عيشه، وهو السعي الذي يستغله رافضو تولي الإسلاميين للسلطة بأي ثمن، ولو كان حرباً أهلية، إلا أنه (البديل) لن يؤدي على المدى البعيد، إن لم يكن المتوسط، إلا إلى تدمير مؤسسة الجيش المصري نفسها التي ستصبح بسبب أزمات مصر المزمنة هدفاً للمتظاهرين المطالبين بالحرية والتنمية.
على سوداوية المشهد الآن، تظل مصر فرصة لدرس عظيم للمصريين والعرب على حد سواء. ذلك أن الدرس المصري في الثورة والانقلاب عليها، أو فشلها، أو إفشالها، لا يتمثل أبداً في أن خيار العرب هو بين استبداد علماني، أو استبداد ديني، أو استبداد عسكري؛ فهذه كلها، كما تؤكد التجربة العربية في غير دولة وعلى مر الزمن، هي المسؤولة عما نعيشه من فقر وتخلف وذل وامتهان. الدرس الحقيقي هو أنه لا يمكن إنجاز الثورة بالركون إلى نخب تعيش ماضي الاستبداد وتفكر بعقليته ووفق انقساماته، مع أنها كانت ضحيته. وإذا كان من مخرج من الدوامة المصرية والعربية، فهو لا يتحقق إلا بالانقلاب على تلك النخب.
باختصار، نريد أحزاباً جديدة تجمع المواطن الإسلامي والعلماني والمسيحي ومن كل طائفة على برنامج عمل حقيقي، وليس على عقائد ومذاهب أو أيديولوجيات جامدة استعلائية إقصائية، وتصر على استحضار الماضي بعداواته، وبالتالي تخلفه واستبداده.
الثقة
هذا الواقع الذي وصلنا إليه هو نتيجة سنوات من الظلم والإستبداد الذي غرس الخوف من بعضنا البعض، حتى أننا لم نعد نثق إلابمن استبد بنا ـ على قاعدة أهون الشرين ـ ولذا لا أستغرب المطالبة بعودة العسكر للحكم في مصر.
ولكن وبعيدا عن جدلية من أوصل الحالة المصرية لهذا الطريق المسدود، فمن الممكن الخروج من المأزق بوضع خارطة طريق واضحة ومحددة و"مجرمة" لمن لا يلتزم بها وتتمثل بدعوة لاستفتاء على انتخابات رئاسية مبكرة، وإجراء انتخابات نيابية في اسرع وقت.