فرص العمل القطرية

حجم الإقبال على تقديم طلبات للحصول على فرص العمل التي وفرتها الشقيقة قطر مؤخرا، وفق ما أعلنت عنه وزارة العمل وتوسعت فيه وسائل الإعلام، يستدعي التوقف عنده مليا، فلدينا نسبة متزايدة من الشباب التواقين للحصول على فرصة عمل أو للارتقاء بعملهم من أجل تأمين حياة كريمة لأسرهم. هذه القوة الشابة الدافقة المستعدة للغربة والضرب في الأرض لتحسين مستوى الحياة، وتأمين مستقبل الأبناء ثم العودة الى الوطن، تستحق الاهتمام والتوجيه والمساعدة من المجتمع والمؤسسات للاستفادة من هذه الموارد بما يحقق أهدافهم ويعظم من المنافع للوطن والمنطقة.

اضافة اعلان

ما تقدمه الشقيقة قطر -مشكورة- هو فرص عمل مطلوبة لديها لتلبية احتياجات السوق القطري في التنمية والتطور، وهي ليست منحاً ولا هبات، وإنما خصت دولة قطر من خلال هذه المبادرة الكريمة الأيدي العاملة الأردنية لشغل هذا العدد من الوظائف وفق احتياجات سوق العمل، لذلك يجب أن تتوفر في المتقدم لهذه الفرص المعارف والخبرات والمهارات الأساسية المطلوبة لسوق العمل القطري، فالعمالة الأردنية لا تتوجه عادة إلى المهن الدنيا التي لا تحتاج إلى مؤهلات، ولكن تستهدف الوظائف المخصصة للعمالة الماهرة، وبالتالي المنافسة في سوق عالمي مفتوح لمختلف الدول والثقافات، ومن دون الحصول على الميزات التنافسية لن يستطيع العامل المحافظة على مهنته طويلا ناهيك عن التقدم فيها.

إن ديناميكيات سوق العمل القطري -شأنها شأن الأسواق الخليجية الأخرى- تتصف بالتغير المتواصل والسريع نسبيا، فالدول الخليجية -وبحكم الوفرة المالية- قادرة على تطوير عملياتها باستمرار وإدخال تقنيات جديدة، وتنفيذ مشاريع طموحة، واستقطاب تجارب من شتى أنحاء العالم والتحول فيما بينها، وبالتالي فإن هناك حاجة إلى نوع من الموارد البشرية لديها معرفة وخبرة في الوسائل والأدوات والمنهجيات المستهدفة أو لديها المرونة للمواءمة مع التجديد والتطوير والتغيير.

لم يتسن لي العثور على أبحاث أو تقارير تستطلع المجالات التي يمكن للعمالة الأردنية المهيأة للاغتراب أن تحصل فيها على فرص عمل مناسبة في دول الخليج العربي عامة أو دولة قطر بخاصة، وإذا كانت هذه المعلومات لا ترصد ولا تتابع، فإن تطوير مراصد متخصصة لأسواق العمل التي تعني العامل الأردني يغدو مطلبا ملحاً، فرصد ودراسة احتياجات وتوجهات أسواق العمل الخليجية من خلال مثل هذه المراصد يمكن أن يقدم مساهمة فاعلة في التخفيف من أزمة البطالة المستفحلة، كما يمكن له أن يسهم في معالجة الخلل والتشوه في النظام التعليمي في الأردن وعلاقاته بسوق العمل المحلي، فالتوجهات والخيارات الأكاديمية لشبابنا ارتبطت في أذهانهم وأذهان أهاليهم بالفرص والإمكانات الموجودة في المنطقة.

يحتوي سوق العمل الأردني على فرص ومجالات ينبغي الالتفات إليها بعناية خصوصا ونحن نقترب من الفرصة السكانية؛ حيث ترتفع نسبة الأفراد في سن العمل وتقل نسبة الإعالة. ولا تقتصر هذه الفرص على المهن التي يعزف عنها العامل الأردني، فلا أكاد ألتقي صاحب عمل أو مديرا تنفيذيا إلا ولديه حاجة للحصول على موظف أو أكثر يتمتع بمهارات يصعب الحصول عليها في سوق العمل المحلي، ويتم استقطابها بسرعة إلى الأسواق الجاذبة.

من المهارات التي يبحث عنها هؤلاء المهارة في الكتابة العلمية والمهنية باللغتين العربية والإنجليزية، ومنها مهارات قيادة التحول لنماذج وأساليب أو تقنيات جديدة، ومنها توظيف الوسائل الحديثة في الاتصال لأغراض تطوير العمل، ومنها كذلك القدرة على تقديم العروض التقديمية المحترفة، ومنها مهارات البحث والتحليل والقدرة على قراءة البيانات المالية بحيث تكون هذه المهارات مصاحبة لمجال العمل الذي قد يكون صناعيا أو طبيا أو خدميا أو غير ذلك.

حدثني مرة مستشار مالي يعمل مع العديد من المؤسسات والشركات بأن أكثر من يتعامل معهم من مديرين ماليين ومحاسبين ليسوا أكثر من "ماسكي دفاتر مالية"، وفق تعبيره؛ إذ يدخلون الحركات والقيود المحاسبية في الأنظمة المحوسبة ويستخرجون التقارير والتحليلات الجاهزة من الحاسوب ويقدمونها للإدارة، مع أن المفروض لهذه المستويات من الوظائف أن يبدأ عملها الأساسي بعد استخراج التقارير والبيانات المالية لدراسة تلك المعطيات والمساهمة في صناعة واتخاذ القرار المبني على الوقائع والبيانات، وبالتالي توجيه المؤسسة لما يحقق أهدافها.

التخفيف من مشكلة البطالة وتحويل التحدي إلى فرصة ممكن، ولكنه يحتاج إلى رؤية واسعة للتغيرات الكبيرة والتحديات والفرص، وفي مقدمة ما يساعد على تشكيل رؤية محلية وجود مؤسسة لرصد المجال الحيوي لقوة العمل الأردنية.