فرق كبير

 

فرق كبير بين الذين قضوا زهرة أعمارهم في العمل في الخارج وكوّنوا ثروة، ثم نقلوها إلى بلدهم، واستثمروها فيه، وبين الذين يُكوّنون ثروة من بلدهم ثم يهربونها إلى الخارج. حقاً، إنه فرق كبير.

اضافة اعلان

تكلمت في حينه؛ أي في أثناء الأزمة العابرة، عن السيد صبيح المصري في صفحتي على الإنترنت. وقد بينت في كلمتي كيف أنشأ السيد صبيح بعرقه وجهده وإدارته وقيادته أكبر المزارع المحمية في العالم، وكيف يتوزع عطاء استثماراته على عدد كبير من الناس، بالإضافة إلى أمور كثيرة أخرى مضيئة يمكن الرجوع إليها على الصفحة.

وأتكلم اليوم عن السيد شاكر الفاخوري الذي تجاوز كل العقبات والصعوبات، ونهض ببنك الأردن بمضاعفة رأسماله، مرات عدة، وفي زيادة عدد فروعه، وفي بلايين الودائع فيه، وفي مشروعه الكبير بالفندق من خمس نجوم الذي يبنيه (ريتزكارلتون) والشقق السكنية الملحقة به التي تكلف نحو ثلاثمائة مليون دولار. إن ذلك يعني تشغيل عدد كبير من الناس.

وإن نسيت أحداً، فيجب أن لا أنسى ما يقوم به السيد طلال أبو غزالة من استثمارات وخدمات أكاديمية وحقوق ملكية، ورقمية: محلياً وإقليمياً وعالمياً. كما يجب عليّ أن أشير إلى إمبراطورية السيد زياد المناصير النفطية، ونشاطاته الاقتصادية المتعددة التي يعمل فيها الآلاف.. وأتمنى أن ينبري الدارسون إلى متابعة نشاط وأداء مثل هذه الشخصيات تقديراً لها، ولإطلاع المجتمع على ما تقدمه له من فرص عمل وإنتاج وخدمات.

أما الفرق الآخر المهم بين المستثمرين العائدين، فاعتماد بعضهم على أموالهم في المشاريع التي ينشئون، وبين المستثمرين الذين يعودون وينشئون حول أنفسهم هالة من الاستثمار. ولكن ليس بالثروة أو الأموال التي حصلوا عليها في الخارج، وإنما بتسهيلات بنكية ضخمة، يمكن أن تؤدي إلى انهيار البنوك المعنية إذا تعرضت مشاريعهم الكثيرة والضخمة إلى الانكفاء أو الانهيار.

نعم، إن الناس يدخرون في البنوك ليحفظوا أموالهم من الضياع، وليستفيدوا من الفائدة عليها، وليقوم الرواد في الوقت نفسه باستقراضها من البنوك والاستثمار فيها في مشاريع يستفيد منها المجتمع بالإضافة إليهم، وإلا فإن العملية البنكية تصبح غير لازمة. غير أن بعض المستثمرين يستخدمون البنوك لإقامة مشاريع تظاهرية لافتة للنظر، فيما هم في الوقت نفسه يُهرِّبون بعضاً أو كثيراً من أموال البنوك الدائنة إلى الخارج أولاً بأول وتمهيداً لإعلان الإفلاس.

وعليه، أدعو إدارات البنوك إلى التحقق من صحة استخدام أموالها، وأن لا تكتفي بضمان العقار لها أو من مطابقة المستوردات لموضوع كتب الاعتماد، وأن مفرداتها من حيث الكم والنوع والقيمة تغطي قيمة الاعتماد المفتوح لها، ومن جدية وربحية واستدامة المشاريع التي تموّلها. تؤكد فضائح مصانع الدخان السّرية المكتشفة صحة هذه النصيحة، فقد دخلت آليات مصانع الدخان البلاد كماكينات لجز العشب كما بيّن المعاين؟!!

يحسن بكل بنك حريص على أموال المودعين والمساهمين وعلى سمعته ومستقبله أن ينشئ دائرة للتحقق من مصداقية المستوردات لا أن يكتفي بالمعاملات الورقية، ومن مصداقية المشاريع، كي لا يكشف متأخرا أن هذه الشركة أو تلك ذات الحساب الجاري الكبير مفلسة على نحو يهدد استقرار البنك.

كان بعض رجال الأعمال في مصر أيام عبد الناصر والأزمة الاقتصادية الخانقة، يهربون أموالهم عن طريق كتب الاعتماد المفتوحة بالتنسيق مع الموردين الذين هم وكلاء لهم، برفع الأسعار في عروضهم كي يُجبر البنك/ النظام على توفير العملة الصعبة لدفعها، فيما يقوم المورِّد بتوريد الفرق بين السعر الحقيقي والسياسي إلى حساب الوكيل في أحد البنوك في الخارج.

**********

ختاماً: أعتقد أن المعروض من المكاتب التجارية في الأردن أكبر بكثير من الطلب عليها، ومع هذا تجد أسعارها فوق الطاقة مما يبقيها فارغة. هل تصدقون أن أجرة المتر المربع في أحد المولات تبلغ مائة دينار في اليوم، بمعنى ستة وثلاثين ألف دينار في السنة. لو كانت مساحة البناء دونماً (ألف متر مربع) لكانت عائداته ستة وثلاثين مليوناً سنوياً. وكأنهم يستعيدون كلفته في سنة. إن هذا لكثير على المستأجرين/ المستثمرين، وبالتالي على المواطنين المستهلكين كما أنه طارد للاستثمار.