
تقديم:
هل تكون إسرائيل بصدد ربح معركة النفوذ في فرنسا؟ قد يظن المرء ذلك. ولذلك خصص موقع “أوريان 21” لهذا الموضوع تحقيقاً مطولاً، من خلال مقالات عدة تُنشر تباعاً.
قبل الأزمة الصحية، كان النواب الفرنسيون يهرولون إلى القدس للثناء على “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” قبل التعريج على المستوطنات.
وكان أصحاب الشركات يتحمسون أمام الوعود التكنولوجية التي هي في أغلب الأحيان ذات مصدر عسكري. وثمة فنانون، ومفكرون، وصحفيون… كانوا يتقاطرون جميعاً للقيام برحلات استكشافية، والمشاركة في المهرجانات واللقاءات والمسلسلات الإسرائيلية.
وكانوا يبدون متأكدين جميعاً من أن الدفاع عن إسرائيل أصبح واجبا أساسيا في عالم مهدِّد.
لكن الرأي العام الفرنسي يبقى مرتاباً ويواصل في معظمه التعبير عن تضامنه مع القضية الفلسطينية.
فهل يمكن أن نتحدث عن شبه إخفاق في عمل دوائر التأثير العديدة المساندة لإسرائيل؟
كيف يمكن الحديث عن نجاحات ومواضع استياء وخيبات أمل للوبي متعدد الفاعلين، والأسئلة العديدة التي تثار حول شكله وحقيقته؟
من معارض التقنية حتى الضواحي الفرنسية؛ ومن السهرات الراقصة إلى الشراكات “السرية للغاية”؛ ومن البرلمان الفرنسي إلى مجلس مدينة باريس، يبدو هذا اللوبي كثير النجاحات.
وسوف يعرض هذا التحقيق عمل هذا اللوبي، ووسائله والمروجين له.
في الحقيقة، لا يوجد جيش مجند من أعضاء اللوبي في باريس مثل ذلك الذي نجده في واشنطن. فأنصار إسرائيل في فرنسا هم شخصيات مختلفة، من اليمين أو اليسار أو الوسط، ووجوه إعلامية تجيد استعمال مغالطات الجدل القائم حول مناهضة الصهيونية ومعاداة السامية، لمحاولة تحييد أولئك الذين يواصلون -على الرغم من قلة الآذان الصاغية- النأي بأنفسهم عن سياسة اليمين الإسرائيلي الحاكم.
اليوم، يُعد انتقاد إسرائيل في فرنسا مسعى خطيراً. ويمثل ذلك، في الظاهر على الأقل، نجاحا كبيراً لكل أولئك الذين يعملون على نزع الشرعية عن طرح التساؤلات حول سياسة الحكومة الإسرائيلية.
لقد تم ضبط الإيقاع: يجب جعل مصير فلسطين منسيا لصالح علاقات سياسية واقتصادية تشهد انتعاشا كبيرا، مع أن الرأي العام الفرنسي غير متناغم مع ذلك.
*ملاحظة المحرر: نشر المقال الأول من هذه السلسلة في جريدة “الغد” بعنوان، “فرنسا وإسرائيل: أي لوبي صهيوني؟ (1) قانون صمت يعود إلى زمن بعيد”، في عدد 21 آب (أغسطس) 2021.
* *
“لقد تحدثت فوق اللزوم عن هذا”. “لم أعد أتحدث في هذا الموضوع”. “ماذا تريدون مني أن أقول لكم؟”.
“في هذا الوقت تفهمون أنني لا أريد التحدث إليكم”. “أنتم محقون بالتأكيد غير أن المعركة خُسِرت”. ويقول الأكثر طيبة: “حظا سعيدا في إنجاز تحقيقكم”.
أن تطرح أسئلة على أصحاب رأي ومنتخبين وأرباب عمل وصحفيين ومثقفين عن العلاقات بين إسرائيل وفرنسا وعن وجود لوبي محتمل (استخدام هذه الكلمة بحد ذاتها موضوع جدل) يعمل للدفاع عن إسرائيل، يعرضك إلى عزلة كبيرة.
ولإنجاز هذا التحقيق، اتصلت عن طريق البريد الإلكتروني والهاتف بحوالي 200 شخص بين شباط (فبراير) وتشرين الثاني (نوفمبر) 2020. ولم يجبني منهم سوى أقل من 30 شخصا.
* *
ثامن أكبر متاجر بالأسلحة في العالم
مع أن للعلاقات بين فرنسا وإسرائيل تاريخا طويلا يعود إلى أصول الصهيونية، فإنها انتعشت مع إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948.
بالنسبة للعديد من الشهود الواعين، فإن السياسة الإسرائيلية الحالية تبعث على الازدراء. ويلخص روني برومان الموقف: “ماذا تولّد عن الحلم الصهيوني؟ مركبات “كاتربيلر” العسكرية وأنظمة لمراقبة المعارضين”.
وهو واقع تؤكده الأرقام: فإسرائيل هي ثامن أكبر متاجر بالأسلحة في العالم، وفق ترتيب معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وتواصل حصتها في السوق في الارتفاع. فقد بلغ إجمالي مبيعات أهم ثلاث شركات للأسلحة في البلاد، شركة أنظمة إلبيت Elbit Systems؛ وشركة إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء Israel Aerospace Industries؛ وشركة أنظمة رافائيل Rafael الدفاعية، 8.7 مليار دولار في 2018، كما يشير “معهد ستوكهولم” لأبحاث السلام. وتتواجد الشركات الثلاثة ضمن أكبر 100 شركة عالمية للأسلحة، حسب القائمة التي أعدتها المؤسسة السويدية.
كان روني برومان، المولود سنة 1950 في القدس حيث ترعرع، قد ترأس لمدة طويلة منظمة “أطباء بلا حدود”. وهو طبيب ومنظر للعمل الإنساني الطارئ، وهو (وآمل بألا يغضبه تعبيري هذا) صاحب “ضمير كبير”؛ رجل متفتح ودود، يتميز بفضوله الكبير لكل شيء.
وقد أنجز في العام 1999، مع إيال سيفان، فيلما وثائقيا متميزا حول محاكمة أدولف آيخمان تحت عنوان “المتخصص”، والمقتبس من كتاب حنة آرنت “آيخمان في القدس”.
ويشرح لي بأن إسرائيل “هي الدولة الوحيدة اليمينية المتطرفة العنصرية علنا التي يُحتفى بها على أنها ديمقراطية.
يعد ذلك إنجازا دبلوماسيا أكيدا بالنسبة لإسرائيل، لكن هذا النجاح محل نقاش: لقد أصبح اليهود الأميركيون يبتعدون بوتيرة متسارعة عن مؤيدي إسرائيل، كما أن وضع الأعلام الإسرائيلية وجمع الأموال للجيش صارت ممنوعة في المعابد اليهودية الأميركية.
ويشكل هذا مصدر إحراج لعدد متزايد من اليهود عبر العالم”.
“إرهاب” فلسطيني
ولا يتعلق ذلك باليهود فقط وليس في فرنسا والولايات المتحدة وحدهما.
يقول لي غويندال رويلارد، النائب عن حزب “الجمهورية إلى الأمام” في مدينة لوريان بمنطقة الموربيون (شمال غرب فرنسا): “هناك شعور بالظلم لدى العديد من الأجيال العربية الشابة، ويشكل ذلك معطى مهما في هذه المنطقة من العالم.
إنه يغذي النقمة. وعندما أقول هذا أشعر بأنني محارب قديم مع أن هذا الخطاب حديث تماما. وبهذا الشعور من الظلم عندما يتعلق الأمر بحقوق الفلسطينيين فإننا نحمل كثيرا من سوء الفهم، وسيكون من الخطأ التقليل من تأثير الإهانات على القرارات السياسية في البلدان العربية.
إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس هامشيا وإنما مركزي”.
ومع هذا، يعمل اللوبي الإسرائيلي وأنصاره كل ما في وسعهم للتقليل من شأن هذا الصراع ونسيانه وجعله مجرد حلقة من المعركة العالمية الواسعة بين الإرهاب الإسلاموي والغرب، وتقديمه على أنه تربة تنمو فيها معاداة السامية بكل أنواعها والتي يكون من العبث التقليل من وزنها تحت غطاء معاداة الصهيونية.
خلال عشرين عاما، تغيرت شبكة التحليل المهيمنة بخصوص النزاع. أصبح مؤيدو إسرائيل يقدمون نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال على أنه مجرد عنصر من بين عناصر أخرى في الحرب الشاملة على الإرهاب.
وتُتبع أنظمة مراقبة السكان التي اختبرتها شركات إسرائيل الناشئة ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والتي أشار إليها برومان، في العالم بأسره إلى بلدان في الشرق الأوسط وغيره، والتي ليست نماذج للديمقراطية بالتأكيد.
“لا يوجد لوبي يهودي”
ولا ننسى أيضا أنه منذ نهاية القرن التاسع عشر، عارض العديد من اليهود الصهيونية السياسية، ابتداء من المناضلين الشيوعيين للاتحاد العام للعمال اليهود (البوند)، أو الفيلسوف وعالم الدين الكبير اليهودي الألماني مارتن بوبر.
وكان هذا الأخير يرى أنه لا يمكن تأسيس دولة في فلسطين من دون العرب وكان يناضل من أجل دولة واحدة. وهي طوباوية عادت من جديد اليوم لتبدو ممكنة على الرغم من مرور سبعين عاما على الاستعمار.
لم تكن الشخصية الخارقة التي كان يمثلها بوبر -والذي تأثر مارتن لوثر كينغ بكتابه الأساسي “أنا وأنت”- لتتصور صهيونية من دون عدالة. وكتب ذلك بقوة في كتابه “أرض واحدة وشعبان”.
وقال: “ما يعلمنا إياه الكتاب المقدس بتلك البساطة والقوة والذي لا يمكن تعلمه من أي كتاب آخر، هو أن هناك حقيقة وكذبا. وأن الوجود الإنساني يقف لا محالة إلى جانب الحقيقة، لأن هناك عدالة وظلما، وأن خلاص البشرية يكمن في اختيار العدل ونبذ الظلم”.
غير أن “الإحراج” الذي يشير إليه روني برومن -وآخرون في فرنسا ممن يصبحون أقل باطراد- في التعبير عنه علنا على عكس الولايات المتحدة- و”الظلم” الذي يجعل غويندال رويلارد وبعض النواب الآخرين (وهم أكثر عددا مما يُعتقد ولكنهم صامتون) يثورون، لم يعد يُعبَّر عنهما بسبب هيمنة التيار المؤيد لإسرائيل على النقاش العام. اليوم، أصبح توجيه نقد لإسرائيل مسعى خطيراً.
ويبدو ذلك -ظاهريا على الأقل- نجاحا كبيرا لكل أولئك الذين يعملون على نزع الشرعية عن التعبير عنه. هكذا نشر باسكال بونيفاس سنة 2003 كتاب “من يجرؤ على نقد إسرائيل؟” وصدر عن نشر “روبير لافونت”.
وكتب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) آنذاك: “لا يوجد لوبي يهودي، بكل بساطة لأن جالية يهود فرنسا متنوعة”، ولكن هناك “لوبي مؤيد لإسرائيل وهو يشمل بالطبع يهودا، لكنه يشمل أيضا أناسا ليسوا كذلك”.
عندما يتكلم عن تلك الفترة، يلاحظ باسكال بونيفاس أن “الأمور لم تتغير، ولكنها أصبحت أكثر تعقيدا مما كانت عليه قبل سبع عشرة سنة. أصبح النقاش أكثر حدة.
كان من الصعب عليّ نشر”من يجرؤ على نقد إسرائيل” في 2003، ولكن الأمر أصبح أصعب بالنسبة لنشر كتاب “المثقفون المزيفون” سنة 2011. ومنذ ذلك الحين، أصبحت شخصا غير مرغوب فيه في كثير من وسائل الإعلام”.
معاداة الإسلام أفضل دعاية
وهناك ضجيج في الخلفية، يصفه بعبارات بسيطة أكاديمي فرنسي ذو دراية جيدة بالمنطقة، والذي فضل عدم ذكر اسمه، يغذي النقاش حول العلمانية حول مشاريع قانون مثل الانفصالية الذي تدفع إليه بعض التيارات السياسية (خاصة “الربيع الجمهوري”، وسنعود إلى ذلك).
ويقول الأكاديمي: “هناك علاقة بين الهجوم على مؤيدي الفلسطينيين في فرنسا والهجوم على الحجاب والمسلمين. والمفارقة في النهاية هي أن أولئك الذين يزرعون الإسلاموفوبيا هم أنفسهم الذين يستوردون النزاع الإسرائيلي الفلسطيني إلى فرنسا”.
بالنسبة لدوائر النفوذ المؤيدة لإسرائيل، لا يعد هذا مجرد نجاح، بل انتصارا جزئيا على الأقل. ونحن بعيدون عن الدعاية الركيكة للعديد من المواقع الإلكترونية الإسرائيلية الناطقة بالفرنسية أمثال JSSNews ،Le Monde Juif.info dreuz.info التي تشوه وتلفق المعلومات وتمارس التحرش والأكاذيب.
فبالنسبة لهذه المنصات، لا مجال للتوازن بخصوص “العربي” و”المسلم”. غير أن هذه المواقع ذات مجال بيني محدود وهي تحت تأثير الجالية الناطقة بالفرنسية في إسرائيل.
ويعيش حوالي 50 ألف يهودي من أصل فرنسي في المستوطنات، ويشعر جزء منهم بالملل في بيوتهم المكيفة والمسيجة، فيغرقون الشبكة بـ”معلومات” تدور بصفة متكررة حول إسرائيل بالنبرة البائسة ذاتها.
على سبيل المثال، لمَّح هؤلاء في العام 2014 إلى أن الشاب محمد أبو خضير قد تعرض للضرب والحرق حيا على يد فلسطينيين لأنه مثلي، في حين أن المستوطنين هم الذين أعدموه.
فتنة “أمة الشركات الناشئة”
إضافة إلى ذلك، تضاعفت رحلات نواب وطنيين ومحليين فرنسيين إلى إسرائيل منذ أربع سنوات -بمن فيهم آن هيدالغو، عمدة باريس في عدة مناسبات- والذين ينشرون صورا جميلة وشهادات مليئة بالود على مواقعهم أو صحفهم الانتخابية.
وكذلك تفعل أيضا فرق صحفية مختارة ذات تأثير لا يستهان به، كما سنرى فيما بعد، وربما وعلى الخصوص رجال أعمال.
كل هذا يظهر أن العلاقة بين فرنسا وإسرائيل آخذة في التغيير.
صحيح أن الأزمة الصحية أدت إلى توقيف مؤقت لهذه البعثات الإعلامية والرحلات الاستكشافية.
وكنت سأرافق في ربيع 2020 وفدا من أرباب الأعمال من شرق فرنسا والذين تم إرجاء رحلتهم إلى أجل غير مسمى.
ولكن في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 مثلا، نزل 185 من أرباب الأعمال من منطقة بروتاني (شمال غرب فرنسا) بتل أبيب في رحلة استكشافية نظمها اتحاد شركات منطقة إيل وفيلين.
ولخصت جريدة “واست فرانس” الانطباع: “لقد فتنتهم إسرائيل”. وتم الحديث في الرحلة عن الاستثمارات والأسواق وليس عن “الحروب والنزاعات”.
ويقول أحد أرباب الأعمال المستضافون: “كنت قلقا بعض الشيء عند الانطلاق حيث كنت أرى أن هناك حربا أو تكاد”، لكن الأفق أسعده وكان محاوروه لطفاء وكانت الفنادق ممتعة.
لإسرائيل سوق صغيرة، لكنها ديناميكية، وما يزال الوجود الاقتصادي الفرنسي فيها متواضعا.
وقد استقبلت سفيرة فرنسا في إسرائيل آنذاك، هيلين لوغال، وهي نفسها من عائلة من الموربيون (بروتاني)، أرباب الأعمال في مكان إقامتها بيافا وشجعتهم على اتباع مثال “أمة الشركات الناشئة” حتى يجعلوا من بروتاني “إِقْليما ناشئا”.
ولا وجود للسياسة في البرنامج ولا لفلسطين، ولو عرضا، على علاقة في مناخ الأعمال. ثم كان هناك أيضا في سنة 2019 ذهاب وفد عن قادة العديد من المجموعات الاقتصادية الفرنسية الكبرى، بما في ذلك قادة الشركة العملاقة، بويغ (وهي في قلب الأعمال والسلطة، وقطاع البناء والاتصالات والإعلام).
وكلهم عادوا متحمسين من رحلتهم الاستكشافية في دواليب أمة الشركات الناشئة.
في تل أبيب تقوم الدبلوماسية الاقتصادية بدورها أيضاً. تؤدي الخلية المحلية لـ”بزنس فرانس” -وهي هيكل في وزارة المالية مكلف بمرافقة الاستثمارات الفرنسية في الخارج عزيزة على قلب إيمانويل ماكرون – دور المحاور مع الشركات التي ترغب في تطوير أعمالها في عين المكان.
سألتُ عبر الهاتف رجل أعمال فرنسي مقيم منذ فترة طويلة في إسرائيل عن فلسطين فلم يجبني. ران صمت على الخط. كررت سؤالي وبقي الرجل صامتا. أعدت السؤال للمرة الثالثة ثم فهمت.
إنه لا يأبه بذلك. وأكد لي لاحقاً خلال حديثنا أنه “لم يعد الاقتصاد يدار بالسياسة، هناك إسرائيليون يقومون بأعمال، وهناك فلسطينيون يقومون بأعمال، وهم لا يكترثون بنتنياهو ويريدون العمل معاً فقط”.
واتصلت بنائب فرنسي من حركة “الجمهورية إلى الأمام” بشأن موقف حزبه بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، خاصة أن هناك فجوة كبيرة بين مواقف زملائه مثل سيلفان مايار الذي يظهر مبتسما في نادي “أنتير آليي” بباريس رفقة ممثلي المستوطنات، وغويندال رويلارد الذي يعارض بشدة المستوطنات ذاتها.
وظل محدثي هو الآخر صامتا. أعدت سؤالي مرتين واكتفى بالتعليق عن عدم رده مكررا: “ثلاث نقاط معلقة”. ويبدو هذا الصمت علامة أخرى على انتصار مؤيدي إسرائيل في فرنسا.
“نحن لا نلعب مع معاداة السامية”
تقول كليمنتين أوتان، النائبة عن مدينة سين سان دوني (شمال باريس) من حزب “فرنسا الأبية” مستنكرة: “تبدو فلسطين قضية خاسرة، وفضلا عن ذلك يُخشى الانخراط فيها بسبب الاتهام بمعاداة السامية.
هذا غير عادي، هناك خلل ما”. هذا مع أن الرأي العام الفرنسي ليس في تناغم مع ذلك ويصر على دعم فلسطين.
وفقاً لاستطلاع آراء أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام “إيفوب” في أيار (مايو) 2018 لحساب اتحاد الطلبة اليهود في فرنسا، يعتقد 71 % من الفرنسيين بأن “إسرائيل تتحمل مسؤولية ثقيلة عن غياب المفاوضات مع الفلسطينيين”.
هم لا يعبرون عن ذلك علنا، ولكن 57 % منهم لديهم “صورة سيئة” عن إسرائيل.
كما يعتبر 69 % منهم الصهيونية “إيديولوجية تستخدمها إسرائيل لتبرير سياسة الاحتلال واستعمار الأراضي الفلسطينية”.
وعلى الرغم من ذلك، لا يفعلون الكثير حيال هذا الوضع، ربما خشية من ذلك الخلط الذي تتم تغذيته باستمرار بين مناهضة الصهيونية ومعاداة السامية، وهو أمر حاضر بقوة في الأذهان.
وبالنسبة لـ54 % من الفرنسيين، فإن “مناهضة الصهيونية هي فعلا شكل من أشكال معاداة السامية”.
لكن المناورة هنا أيضا ليست مكللة بنجاح صريح، فقد تم تبني لائحة “مايارد” التي أضافت معاداة الصهيونية إلى تعريف معاداة السامية، مستلهمة في ذلك التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 بأغلبية ضئيلة في الجمعية الوطنية: تأييد 154 عضوا ومعارضة 72 وامتناع 43 من إجمالي 577 نائباً.
ولم يشارك في التصويت أكثر من 300 نائب، الكثير منهم من حزب الرئيس، ما يشير إلى وجود انقسامات حقيقية. وسأعود إلى هذا الموضوع لاحقاً.
كتبت إيستر بنباسا، وهي نائبة في مجلس الشيوخ عن باريس من حزب أوروبا-إيكولوجيا-الخضر: “نحن لا نلعب مع معاداة السامية. فلننزع انتقاد إسرائيل من مخالب دعاية الحكومة الإسرائيلية الحالية. النقد السياسي ليس معاداة للسامية”.
وتشعر مؤلفة كتاب “أن تكون يهوديًا بعد غزة”، الذي نُشر في العام 2009، بالعزلة الشديدة، وهي التي كانت تتساءل آنذاك، على خطى بوبر، كيف أنه “عندما أصبح هؤلاء اليهود إسرائيليين، أصيبوا بفقدان الذاكرة إلى درجة نسيان المبادئ الأولى للأخلاق، التي هي أساس كينونتهم اليهودية؟”.
وصرحت لصحيفة “هآرتس” الصيف الماضي: “كوني أؤيد القضية الفلسطينية يعني أنني لست أكثر الأشخاص المحبوبين لدى اليهود الفرنسيين”.
وتشعر المؤرخة إيستر بنباسا بالقلق إزاء تصاعد العنصرية في إسرائيل وفرنسا بقدر ما تشعر بالقلق من تصاعد معاداة السامية في بلادها.
من الواضح أن هناك عقولا ضعيفة تخدرت لسنوات بالخطاب التحريفي الفظيع للتاريخ الذي يبثه الناشط اليميني المتطرف ألان سورال، أو صديقه الكوميدي السابق ديودوني، والتي تعبر على شبكة الإنترنت وأحيانًا في الشارع، عن معاداة الصهيونية التي هي مجرد ورقة توت لتغطية عدائهم الجبان لليهود.
لكن هناك أمرا واضحا آخر: لم يسبق أبدًا أن كان أنصار إسرائيل بهذا القدر من النشاط في المؤسسات والمجالات العامة. ويمكن تسميتهم بـ”اللوبي”، أو تفضيل مصطلح أكثر حيادية مثل “دوائر التأثير”، فالنقاش لا يتعلق بالدلالات الكلامية، وإنما يتعلق بالسياسة.
ولا يبدو أننا قد استوعبنا النشاط الذي يقوم به في العمق “مؤيدو إسرائيل” في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ ومجالس عمداء مدينة باريس ونيس والمدن الكبرى الأخرى وفي غرف التجارة وقاعات التحرير في الصحف.
*Jean Stern: صحفي سابق بجريدتي “ليبيراسيون” و”لا تريبون”، متعاون مع مجلة منظمة العفو الدولية. نشر في العام 2012 كتاب Les Patrons de la presse nationale, tous mauvais “رؤساء الصحافة الوطنية جميعهم سيئون” (دار “لا فابريك”)؛ وفي 2017، Mirage gay à Tel Aviv “سراب مثلي في تل أبيب”، (دار ليبرتاليا). ترجم هذا المقال عن الفرنسية لموقع “أوريان 21” حميد العربي.
لقراءة المزيد من الترجمات