فريحات في موسكو

تبدو الرؤية الأردنية للحرب على الفكر المتطرف الذي انتشر في كثير من المجتمعات، أكثر نضجا وشمولية، ربما بحكم طول تجربة التعامل معها خلال السنوات الماضية. اضافة اعلان
ما يقود إلى هذه النتيجة، التوصيف الدقيق الذي قدّمه رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق الركن محمود فريحات للبيئات الحاضنة للإرهاب، محذرا من أن الإرهاب لا يستثني أحدا من أهدافه، فالجميع هدف لهؤلاء المنحرفين.
الشرح كان وافيا، وأهميته أنه نابع من رجل عسكري في موقع مسؤولية حساس، ما يعطي للحديث بعدا آخر، ويشف عن رسالة عميقة تؤكد أن الفهم للظاهرة التي تهدد العالم والأبرياء في كل مكان، بات أكثر عمقا.
حديث فريحات جاء خلال مشاركته في مؤتمر الأمن الدولي السادس الذي عقد في العاصمة الروسية موسكو، بمشاركة 70 دولة ممثلة بعدد من وزراء الدفاع، ما يقود إلى مسألة طالما تحدث عنها الملك في لقاءاته ومقابلاته، وهي أن الحرب على التنظيمات المتطرفة التي ينتشر أتباعها في كثير من بقاع العالم، والتي توجه ضربات في المشرق والمغرب ولا تستثني دينا أو قومية أو بلدا، يجب أن تكون من خلال منظور عالمي شامل، يسعى إلى تجفيف منابعها الفكرية، وقطع سبل التمويل عنها، إضافة إلى الحلول الأمنية والمواجهة العسكرية، ما سيؤدي بالنهاية إلى هزيمتها وتشرذمها، ومن ثم تلاشيها.
فريحات عدّد العوامل التي ساهمت بـ"انتشار الظاهرة وتناميها، من أبرزها: التهميش والتطرف السياسي، وغياب العدالة الاجتماعية، وسوء الأوضاع الاقتصادية، وعدم وضوح مستقبل بعض القضايا المصيرية لبعض المجتمعات".
وتحدث، كذلك عن حالة الإحباط التي يعاني منها الشباب في المجتمعات جرّاء الفقر والبطالة، ما يقود إلى تشكل بيئة خصبة لاستقطابهم من قبل تلك الجماعات المتطرفة ليكونوا مشاريع إرهاب لا يسلم منهم أي مجتمع.
خلاصة كلام الرجل العسكري، وما يمكن اعتباره عصارة التجربة الأردنية ككل في التعامل مع التطرف والمتطرفين، هي أن التجارب السابقة أثبتت أن مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف لا تقتصر فقط على الحلول الأمنية والعسكرية، بل يجب أن يتم التعامل مع الظاهرة وفق حلول متكاملة تستند على فهمنا وإدراكنا للأسباب الحقيقية التي أفضت إلى وجود هذا الفكر المتطرف في الأساس.
الكلام واضح؛ فتنظيم داعش الإرهابي، على سبيل المثال، ما هو إلا نتاج ظروف سياسية واجتماعية مرتبطة بحالة عامة، تؤدي إلى الشعور بالإقصاء والتهميش وضعف قنوات الاندماج والبحث عن الهوية، والأخيرة مشكلة تعاني منها مختلف المجتمعات، حتى الغربية منها، والتي فشلت في دمج الجميع تحت هوية جامعة.
كرجل عسكري، وهذا هو المهم، لم يكتفِ فريحات بتقديم الحرب على الإرهاب والمواجهة العسكرية حلا وحيدا للقضاء على الإرهابيين وفكرهم، بل أسهب في تفصيل حلول أخرى تنطلق من التركيز على الجوانب العسكرية والأمنية وربما الأيدولوجية في محاربة المتطرفين وإضعافهم، أو المقاربة الثقافية التي تحاول تطوير المناهج التعليمية وتحسين الخطاب الديني المعتدل في مواجهة خطاب التطرف.
في قراءة الفريحات عوامل مطمئنة، كون إدراك سبل توفّر البيئات الحاضنة للإرهاب يسهم في وضع وصفة العلاج المناسبة، ودعوة لعمل جاد تأخر كثيرا في  معالجة المسببات، وعلى رأسها الأحوال الاقتصادية الصعبة التي يعقّدها أكثر القرارات الحكومية القاسية المنفصلة عن الواقع المعيشي للناس.
على هامش المؤتمر، التقى فريحات عدداً من وزراء الدفاع ورؤساء الأركان المشاركين في المؤتمر، ما يؤشر إلى أن مهمة أخرى قام بها فريحات خلال تواجده في موسكو تتعلق بالمهمة العسكرية التي يقوم بها الجيش على الواجهة الشمالية، ودور روسيا هناك في تحييد قوى يعتبرها الأردن تهديدا من مثل المليشيات المختلفة والحشد الشعبي.
الهدف والمهمة الأساسية تتمثل في القضاء على داعش، واستئصال التطرف من عقول المجتمعات. لكن، أيضا، يبقى إبعاد أي تهديد محتمل من الحدود الشمالية غاية أخرى أساسية. وهذه ليست المرة الأولى التي يضع الأردن فيها خطوطه الحمراء فيما يتعلق بالاقتراب من حدوده لحماية أمنه واستقراره، فهذا جزء لا ينفصل عن الاستراتيجية الشاملة لمحاربة الإرهاب.