فزورة اسمها الخبز

قبل أكثر من عامين بدأ رئيس حكومتنا الدكتور عبدالله النسور بحديث يتصاعد أحيانا ويخبو أحيانا أخرى، عن الخبز ومدى خسارة الحكومة جراء الهدر الذي يحدث بسبب عدم وصول الدعم الذي تقدمه الحكومة لمادة القمح لمستحقيه.اضافة اعلان
الرئيس كان يستثمر كل مناسبة للإشارة إلى ما يعتبره هدرا يجب أن يتوقف، ولطالما كان يتوسع في شرح الضرر الذي يلحقه ذلك بالموازنة المرهقة أصلا، وأن الدعم غير المنضبط بات يكلف حكومته مبالغ طائلة.
بيد أن حالات الرفع التي قامت بها الحكومة على أسعار سلع مختلفة غير الخبز، دفعت رئيس حكومتنا إلى تأخير القرار لأوقات أخرى، ريثما تستطيع الحكومة تمرير ما يتطلب منها تمريره، وما يعتقد أنه أهم من الذهاب لموضوع الخبر. وراهنا يبدو أن الوقت أزف لاتخاذ القرار.
فكان المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس في المركز الثقافي الملكي مؤخرا مناسبة لإعادة الكلام في الموضوع، وإطلاق بالون اختبار في هذا الصدد، وقياس معرفة مدى تقبل الأردنيين للفكرة، الأمر الذي يسمح لـ"حكومتنا الرشيدة" بالتفكير في الوسائل التي يتوجب اتباعها لإقناع المواطن بما تعتزم الذهاب إليه، والطرق الالتفافية التي يمكن أن تدخل من خلالها للوصول إلى الهدف المنشود.
قال الرئيس كلمته وجلس في "الدوار الرابع" يطالع ردود الفعل التي أعقبت البالون الذي أطلقه، وقد يكون تم رصد ردود فعل استباقية حركتها حلقات معينة تتأثر في حال أقدمت الحكومة على قرارها، وقد يكون تم رصد ردود فعل حقيقية رافضة للمساس بالخبز، ولكن في كل الأحوال استطاعت الحكومة خلال تلك الفترة قراءة المشهد جيدا وتشكيل رؤية لها.
من ثم لا ضير بعد أيام من عملية الأخذ والرد والبيانات والتصريحات من خروج وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة د.محمد المومني، ليعلن أن الحكومة لا تفكر برفع أسعار الخبز على المواطن في الوقت الحالي! وأن الرئيس لم يتحدث بذلك، وإنما تحدث عن هدر يجب أن يتوقف، وأشار إلى أهمية البحث عن آلية تتمكن الحكومة من خلالها إيصال الدعم لمستحقيه.
في المؤتمر الصحفي قال الرئيس إن حكومته تخسر 300 دينار من كل طن قمح، بما يعادل 180 مليون دينار سنويا، عازيا الخسارة إلى أن الحكومة تشتري طن القمح بـ350 دينارا، وتبيعه بـ50 دينارا، وأن هدف حكومته البحث عن طريقة لوقف هذه الخسارة وإيصال الدعم المقدم من قبل الحكومة للمواطن، إذ تعتقد الحكومة أن حلقات إنتاج أساسية هي التي تستفيد من الدعم وليس المواطن.
في حقيقة الأمر وكما وضح من كلام الرئيس والناطق الرسمي، فإن الحكومة تميل لاستخدام مصطلح آخر غير مصطلح رفع سعر الخبز للوصول للهدف، كاستخدام كلمة أو جملة إيصال الدعم لمستحقيه بدل رفع سعر الخبز، فلطالما استخدمت الحكومة تلك الجملة لتمويه قرارات سابقة لها، كانت في مجملها تتضمن رفع أسعار سلع مختلفة، كالكهرباء والمحروقات وغيرها.
في كل الأحوال ومهما استخدمت الحكومة من جمل وكلمات جديدة للابتعاد عن كلمة رفع سعر الخبز فإن الأمر سيكون في أعين الأردنيين واضحا، لاسيما وأن الخبز مادة ارتكازية، وهو بمثابة ميزان "باروميتر" حساس، والمساس بهذه السلعة، وإن تم اللعب بالمصطلحات يمكن أن يكون له تأثير سلبي ورد فعل غير متوقع، عايشنا بعضه العام 1996 وما قبله.
ربما تستشعر الحكومة أن بعض الدعم يذهب في غير مكانه، وربما تكون محقة في جزء من ذلك، ولكن معالجة هذا الموضوع من خلال اقتراح طرق كالدعم المالي والبطاقات الذكية وغيرها من الوسائل، ستكون في كل الأحوال بمثابة إبر تخدير مؤقتة سيجري التعامل بها لعام أو اثنين أو ثلاثة على أكثر تقدير ومن ثم تتوقف، وفي المحصلة سيكون سعر الخبز قد ارتفع.
الحل لتعويض الدعم الحكومي ملاحقة بعض جوانب الفساد الإداري التي نشاهدها، ومعالجة ما جاء في تقرير ديوان المحاسبة من مشاكل مالية وإدارية، فنكون بذلك قد عوضنا أكثر بكثير من قيمة الدعم الذي تتحدث عنه الحكومة.