فضائحهم التعليمية.. وفضائحنا!

عاشت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي على وقع ما اعتبرتها فضيحة مدوية، تمثلت باكتشاف أن بعض الأثرياء دفعوا رشاوى إلى وسطاء لتأمين مقاعد لأبنائهم في بعض الجامعات العريقة. الفضيحة طالت ثلاثة وثلاثين شخصا من "الطبقة المخملية"، بينهم ممثلتان من هوليود، هما فيليسيتي هافمان ولوري لافلين، دفعوا لوسطاء لقاء خدمات تزوير وثائق ونتائج امتحانات بهدف تسهيل قبول الأبناء في أبرز الصروح العلمية في الولايات المتحدة، مثل يال وستانفورد وجورجتاون، وغيرها. القضاء الأميركي وجه الاتهامات إلى جميع المتورطين في هذه الفضيحة، غير أن اللافت والمؤثر مما ظهر على الشاشات وتناقلته وسائل الإعلام، هو تعليق المدعي العام الفدرالي بولاية ماساتشوستس أندرو ليلينغ خلال مؤتمر صحفي تناول القضية، حين قال "لا يمكن أن يكون هناك نظام قبول منفصل للأشخاص الميسورين. ولا يمكن أيضا القبول بلامبالاة النظام القضائي". عبارة مثل هذه تستطيع أن تلخص الكيفية التي تحمي فيها الدول نظامها التعليمي من الفساد والإفساد، كما تمثل انحيازا قويا لسيادة القانون الذي لا ينبغي تجاوزه تحت أي ظرف. ماذا نفعل حين نقارن سياساتهم وإجراءاتهم بما هو معمول لدينا؟ لا يمكن أن ننسى حادثتين كشفتا قبل أيام قليلة، الأولى أن أستاذا جامعيا قدم امتحانا لطالب جامعي عبر تطبيق واتس أب، ومنح علامة النجاح لطالب من جنسية عربية خارج المملكة في مساق لم يحضره ولم يقدم فيه أي امتحان!! ليس هذا فحسب، فهناك حالات كثيرة "نجحت" في الحصول على شهادات من كل الدرجات من جامعات عربية في دول شقيقة، بينما بعضهم لم تطأ قدمه أرض تلك الدولة التي يحمل شهادة من جامعاتها، وبعضهم لم يكتف بالبكالوريوس، بل نال الشهادات العليا بهذه الطريقة التي تعمل فيها "مافيات" قوية، أصبحت تروج للحصول على أي نوع من أنواع الشهادات، بما فيها الثانوية العامة، من مدارس دول تتساهل في منحها. في الحقيقة، هذا ليس كل الخراب، فنظام التعليم تم تصميمه في الأصل لدينا بشكل يجعل التعليم الجيد مخصصا للأشخاص الميسورين فقط، بعدما تم تدمير التعليم الحكومي عن سابق تصميم، بعدما تم التوسع في منح تراخيص المدارس الخاصة، وأفرغت العملية التعليمية من جوهرها لتغدو تجارة مربحة لا يختص بها التربويون فحسب، لذلك صار التعليم الجيد مرتبطا بعدد محدود جدا من المدارس الخاصة المميزة، والتي لا يستطيع سوى الميسورين من ارتيادها، بينما باقي المواطنين لا مدارس لهم سوى في التعليم الحكومي المدمَّر، أو في مدارس خاصة من الدرجة الرابعة، لا تختلف مخرجاتها عن الحكومية!! التعليم الجامعي لا يخرج عن هذا المنظور هو الآخر، بعد التوسع في التعليم الخاص، وإفراغ الجامعات الرسمية من كوادرها المؤهلة لأسباب عديدة، وأيضا إفقار تلك الجامعات التي لم تستطع حتى اليوم تحقيق التوازن المالي، لذلك ذهبت إلى الجانب التجاري هي الأخرى، خصوصا من خلال التوسع في التعليم الموازي، أو من خلال قبول أعداد كبيرة من الطلبة فوق طاقتها الاستيعابية. كوارث التعليم لدينا جعلتنا اليوم نتنبه إلى أن ما كنا نباهي به قبل ثلاثة عقود، وهو التعليم الجيد، لم يعد موجودا اليوم، بعد أن سبقتنا دول المنطقة في هذا المجال. وكل ما نستطيع قوله هو إن مسؤولين لم يكترثوا للوطن، ولا تحلوا بالوطنية هم من كانوا يديرون العملية، ووحدهم من يتحملون مسؤولية كل هذا الخراب.اضافة اعلان