فقراء الأردن يمشون على حبل مشدود

سماح بيبرس

عمان- بينما يمشي الفقراء في الأردن على حبل مشدود وسط ارتفاع كلف الحياة وتجمد مصادر الدخل وتراكم ديون الأسر، يؤكد خبراء أن على أصحاب القرار تغيير نهج التعامل مع ملف الفقر الذي تعدت نسبته "الخطوط الحمراء".

اضافة اعلان


وفي ظل استمرار تداعيات جائحة كورونا التي أربكت العالم خلال العامين الأخيرين، أصبح ملف الفقر خلال السنوات المقبلة "الأخطر والأصعب"؛ إذ ينبغي على الحكومات التعامل معها بسياسات جديدة تختلف عن سابقتها، كما يرى خبراء.


هذه السياسات، وفق اقتصاديين واجتماعيين، لا بد أن تركز على أسباب الفقر وعوامله لمحاربتها ومعالجتها، على خلاف السياسات المعتادة التي كانت تركز على النتيجة ولم تؤد إلى ارتفاع وتعميق هذه المشكلة، فيما أنها قديمة مرّ عليها أكثر من 100 عام.


ليس هذا فحسب، فمن المعروف، وفق مصادر متعددة، بأن آخر استراتيجية مطبقة لمكافحة الفقر تعود إلى العام 2002، وهي (استراتيجية الحد من الفقر "مكافحة الفقر من أجل أردن أقوى") والصادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية، ثم تبع هذه الاستراتيجية إعداد (الاستراتيجية الوطنية للحد من الفقر 2013-2020)، إلا أنّها لم تعتمد رسميا من قبل مجلس الوزراء ولم يتم الأخذ بها، لأسباب عدة، أهمها أن الأرقام التي بنيت عليها الاستراتيجية كانت قديمة تعود لمسح دخل ونفقات الأسر للعام 2010.

وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم ارتفاعات في معدلات الفقر جراء تداعيات جائحة كورونا، فقد أشار البنك الدولي الى أن الجائحة أدخلت ما بين 88 و115 مليون شخص إلى براثن الفقر، غالبيتهم في جنوب آسيا ودول جنوب الصحراء، حيث معدلات الفقر مرتفعة أصلاً، وفي العام 2021، من المتوقع ارتفاع هذا الرقم إلى ما بين 143 و163 مليوناً، وسينضم من أدخلتهم الجائحة إلى صفوف 1,3 مليار فقير يعيشون بالفعل في فقر متعدد الأبعاد، وستواصل تفاقم حرمانهم في أثناء الوباء العالمي، كما دفعتهم التدابير المفروضة للحد من انتشار الجائحة إلى مزيد من الفقر، حيث أُغلق الاقتصاد غير الرسمي الذي يتيح للفقراء في عديد من البلدان فرص البقاء.


ومحليا، فإن معدلات الفقر على مستوى المملكة كانت قبل الجائحة قد قدرت بـ15.7 %، مقارنة بـ14.4 % العام 2010 و13 % العام 2006، فيما من المتوقع أن ترتفع، وفقا للبنك الدولي، 11 نفطة مئوية على الأقل بسبب الجائحة.


الخبير الاجتماعي التنموي د. فواز الرطروط، أشار الى أن الحكومة اليوم لديها برنامج للتعامل مع آثار وتداعيات الفقر بدليل وجود صندوق المعونة الوطنية، وصندوق الزكاة، و4 آلاف جمعية خيرية لها علاقة بمكافحة الفقر، إلا أن الحكومة، ورغم وجود هذه البرامج، لا تهتم بأسباب الفقر وليس لديها برامج للتعامل مع الأسباب.


ووفقا للرطروط، فإن هذه الآليات تتمحور في 3 قضايا هي: النمو الاقتصادي، والحوكمة (الإدارة الرشيدة، والتنمية المستدامة).


وحتى برنامج التعامل مع تداعيات الفقر المطبق، بحسب الرطروط، فهو قديم ومر عليه أكثر من 100 عام، وهذا هو برنامج سلبياته أكثر من إيجابياته بدليل كثرة الجمعيات التي تزيد على 4 آلاف جمعية، لا سيما التطوعية منها، والتي تفتقر الى التنسيق فيما بينها ويفتقر العاملون فيها الى المهنية في التعامل مع هذه القضية، كما أنها تستهدف الفقراء على أساس الحالة الاجتماعية وليس الحاجة الاقتصادية، لكنها تقدم العون ليس بناء على دراسات حديثة للفقر.

ووفقا للرطروط، فإن مظاهر الفقر في الأردن يمكن الاستدلال عليها من خلال ارتفاع أعداد المقترضين من البنوك، وشيوع ظاهرة الغارمات، وتنامي الطلب على المعونات من صندوقي "المعونة الوطنية" و"الزكاة".


وأكد الرطروط ضرورة إصدار دراسات تقييم دورية للفقر يتم البناء عليها في وضع السياسات المناسبة، كما لا بد من إنشاء قاعدة بيانات للربط الالكتروني بين الجمعيات الخيرية ومنظمت المجتمع المدني لتلافي الازدواجية والتكرار في البرامج وتقديم الخدمات واستهداف الفقراء.

كما أشار إلى ضرورة النظر في إمكانية دمج صندوقي "المعونة الوطنية" و"الزكاة" لتلافي الكلف الإدارية وزيادة الصرف على البرامج.
ودعا الرطروط الى ضرورة إصدار قانون العمل الاجتماعي الأردني، لضمان مهننة وظائف العاملين الاجتماعيين في مجال مكافحة الفقر.

كما أكد ضرورة قيام الاتحاد العام للجمعيات الخيرية بإعداد خطة أو استراتيجية للقطاع الذي يطوي تحته أكثر من 4 آلاف جمعية خيرية.
وقال "من المهم اليوم أن يكون هناك نظرة علمية لتقييم الفقر، وتبني السياسات".


أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية د.حسين الخزاعي، أشار الى أن المشكلة الأساسية في معالجة الفقر في الأردن هي في عدم اتباع سياسة واضحة مرسومة يمكن الاستناد عليها لتقييم هذه المشكلة بشكل واقعي وحقيقي، موضحا أن ما يتم عمله في هذا المجال هو فقط "فزعات" لا تتعدى الكلام الإنشائي الذي لا يفيد.


ونوه الى أن معالجة الفقر في الأردن لا تتعدى أن تكون تقديم معونات، دون أن يكون هناك معالجة حقيقية لأسباب الفقر.


ويرى الخزاعي أن قدم الأرقام والتقارير المعلنة عن حالة الفقر في الأردن يعد دليلا واضحا على عدم إيلاء هذا الملف الاهتمام اللازم، فمنذ 2010 لم يتم إعلان أي تفاصيل عن خصائص الفقراء وأماكن تواجدهم والصعوبات التي يواجهونها، واكتفت الحكومة بإعلان معدل الفقر على مستوى المملكة للعام 2018 دون أي تفاصيل أخرى.

ووفقا للخزاعي، فإن هناك الكثير من المؤشرات الدالة التي تشير الى ارتفاع عدد الفقراء، ومنها أن 27 % من القوى العاملة المتزوجة عاطلة عن العمل، وأن نسب البطالة بين الشباب تزيد على 53 %، وأن حوالي 34.5 % قوة النشاط الاقتصادي في المملكة، وهذا يعني أن ثلثي النشاط الاقتصادي معطل.


كما أن هناك 900 ألف طلب جديد خلال العامين الماضيين لدعم الخبز تضاف الى الـ400 ألف طالب للدعم الأصليين، كما أن هناك 82 % من القوى العاملة دخلها أقل من 500 دينار.


أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك د. قاسم الحموري، أشار الى أن الفقر هو نتاج الأداء الاقتصادي للبلد، وارتفاع الفقر ما هو إلا دليل على فشل الحكومات في إدارة الموارد بشكل صحيح.


ومن أهم السياسات التي تسببت في هذا الفقر، كما يشير الحموري، السياسات الضريبية، وخصوصا ضريبة المبيعات التي انعكست على ذوي الدخل المنخفض أكثر من غيرهم، إضافة الى ضعف التجارة الخارجية، وسياسات الاستثمار الفاشلة التي أدت الى تهجير الاستثمارات القائمة من جهة، وفشلت في جذب استثمارات جديدة من جهة أخرى.


ويرى الحموري ضرورة توظيف المتخصصين والأكاديميين لدراسة هذه الظاهرة بشكل واقعي ومن أرض الواقع، لوضع السياسات الصحيحة القابلة للتطبيق.


يشار إلى أن العالم احتفل، أول من أمس، باليوم العالمي للقضاء على الفقر، الذي يصادف السابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، حيث جاء هذا العام تحت شعار "البناء قدماً إلى الأمام: إنهاء الفقر المتواصل، واحترام الناس وكوكبنا".