52 % من الأطفال في الأردن في صفوف الابتدائي يعانون من “فقر التعلم”. دراسة رماها البنك الدولي في وجوهنا، لكي يجعلنا ندرك الحضيض الذي وصل إليه التعليم في بلدنا!
تقود هذه النتيجة إلى أن نضع جميع الخطط والاستراتيجيات المعنية باستهداف الأطفال بالتعليم تحت مجهر البحث، وأن نقرع جرس الإنذار، خصوصا أن البنك الدولي يبين أنها “علامة إنذار مبكر على أن جميع الأهداف التعليمية العالمية وأهداف التنمية المستدامة الأخرى ذات الصلة في خطر”.
يتم تعريف فقر التعلم، بأنه “النسبة المئوية للأطفال في سن العاشرة الذين لا يستطيعون قراءة قصة بسيطة وفهمها”، ما يقودنا في الأساس إلى نوع مهارات القراءة التي تعتمدها وزارة التربية والتعليم في الأردن لتحسين هذا المؤشر المهم، وهل تشتمل على آليات تتيح ادخال مهارات الفهم والاستيعاب، بعيدا عن الإغراق في الكتابة والنحو والقواعد.
والسؤال الآخر المهم، هل تربط الوزارة في النصوص الاستيعابية الموجودة في الكتب بين اللغة العربية كمادة دراسية، وبين اللغة المتداولة في الحياة اليومية، وهنا أنا لا أقول بأن تعمد إلى تعليم اللغة المحكية، بل أن تلجأ إلى النصوص السهلة السلسة، القريبة من لغة الصحافة والإعلام، مثلا، لا إلى النصوص التراثية المثقلة بالتعبيرات والمصطلحات التي أصبحت خارج إطار التداول.
تقرير البنك الدولي، لا يشير إلى أن هؤلاء الطلبة يعانون عجزا في القراءة، فمعظمهم قد يمتلك هذه المهارة، ولكنه يبين أن لديهم عجزا في الاستيعاب والفهم، وهو الإشارة الأخطر في هذا السياق، فغياب الاستيعاب والفهم يبين بوضوح خللا في الإدراك والتعاطي الطبيعي مع آليات التحليل البسيطة، وعدم القدرة على التفكير الناقد أو الإبداعي، خصوصا أننا نتحدث عن نصوص بسيطة، وليست معقدة.
ويشير ذلك، أيضا، إلى خلل كبير في مهارات الاستماع والتعبير، وهما مهارتان أساسيتان لتكوين المعرفة، وامتلاك النسق الخاص بالتعبير، وتعلم التفكير في ما نقوله، ومحاولة صياغته وفق فهمنا لطبيعة الموضوع المثار.
الحديث عن عدم القراءة والفهم هو حديث عن نقطة محورية في عملية التعلم، فغياب القدرة على القراءة الواعية يدخل الطالب في أمية حقيقية، خصوصا أن من لا يستطيع القراءة سوف يكون عاجزا عن تعلم الرياضيات والعلوم، وغيرها، فالقراءة، كما يعرفها التقرير “بوابة الطالب للتعلم في كل المجالات الأخرى، وهي أساس للتعلم التأسيسي في مواضيع أخرى”، وبالتالي فهو محكوم عليه بالفقر المعرفي، وأيضا بالفقر الحقيقي فيما بعد، كونه لن يستطيع تحسين اشتراطات حياته والتنافس على وظائف جيدة، أو أن يكون من العمالة الماهرة حتى.
ما يؤشر إليه التقرير بخطورة كبيرة، هو غياب القدرة على التفسير والتوضيح لدى هؤلاء الطلبة، وهي عقبة أساسية في طريق عملية التعلم، ويجعلها دائما تدور في إطار التلقين الذي نحاول الخروج منه منذ عقود. الأهم في هذا السياق، إننا ندعي أننا خرجنا، فإذا بنا نتراجع خطوات لا يمكن التساهل معها.
قبل عقود قليلة، كانت حصة التعبير أساسية في عملية التعلم. كانت تتيح تلمس أساسيات كتابة المقال، أو النص الأدبي، بما في ذلك من تدريب حقيقي على تأسيس أولي لمهارة القراءة الناقدة للموضوعات، ما يعني قدرة على التحليل والتفسير والكتابة في موضوع معين. اليوم؛ لا أدري كيف هي حال حصة التعبير!