فقط إيهود باراك!

إذا كان بنيامين نتنياهو يُعتبر متهورا إلى جانب تطرفه السياسي، وإذا بات أفيغدور ليبرمان رمز العنصرية المتطرفة والشرسة في هذه المرحلة في إسرائيل، إلا أن الحقيقة المُثبتة هي أنهما أشد ضعفا من أن يتخذا، أو أن يضغطا في اتجاه اتخاذ قرار جريمة القرصنة ضد أسطول الحرية المتجه إلى قطاع غزة.

اضافة اعلان

فهذه جريمة إرهابية وعربدة بحرية مُسجلة "كبراءة اختراع" على اسم وزير الحرب إيهود باراك، وكل تفاصيل الهجوم العدواني بشراسته، تقود إلى أن المُخطط لها هو باراك نفسه، فهي شبيهة في أساسها بسلسلة جرائم ارتكبتها إسرائيل على مر السنين، وكان لباراك دور قيادي وتنفيذي بارز فيها.

وإيهود باراك ليس كشخص، فهو يثبت دائما "أهليته" للقبه في إسرائيل: "سيد الأمن"، ومعروف عنه في الحكومة الحالية والسابقة، وحتى الحكومة التي كان يرأسها منذ العام 1999 وحتى مطلع العام 2001، أنه يمثل المؤسسة العسكرية الأمنية، وليس حزب "العمل" الذي يرأسه، ويتجه نحو الاضمحلال في الخريطة السياسية الإسرائيلية.

كثيرا ما وقف باراك على منصة الكنيست يلقي خطابات في فترات حساسة، ليمجد فيها تاريخه الدموي في جيش الاحتلال، وكثيرا ما ردد مقولة: "كمن خاطر بحياته، متقنعا بلباس امرأة في شوارع بيروت في سنوات السبعين، لينفذ عمليات مهمة لإسرائيل"، وهو يقصد جرائم اغتيال شخصيات فلسطينية، كما أنه يُعتبر من قادة عملية مطار عنتيبي (أوغندا) في العام 1976، وخطط وقاد جريمة اغتيال القيادي الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس، نيسان (ابريل) العام 1988، وغيرها الكثير.

فقط في الأعوام الثلاثة الأخيرة نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي وعصاباته البحرية سلسلة عمليات في عرض البحار والمحيطات، وفي المياه الدولية، وفي داخل دول، نذكر منها السيطرة على سفينة روسية في المحيط الاطلسي قبل أقل من عامين، والسيطرة على سفينة أسلحة متجهة إلى سورية، وضرب موقع في شمال سورية، وقصف قافلة شاحنات في السودان، وسلسلة اغتيالات في المنطقة، وغيرها مما لا نعلمه حتى الآن، استنادا إلى ما قاله رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت: "ليس كل ما نفعله ينشر عنه، وهناك عمليات لن تعرفوا عنها اطلاقا".

ومن وضع تفاصيل جريمة القرصنة هذه، وضع كل حساباتها السياسية قبل الدموية، والرسالة الإسرائيلية الاولى منها: إسرائيل فوق القانون الدولي، ولا تأبه به، والرسالة الثانية: أنها مؤشر لمن يتجرأ على تحدي إسرائيل ولو سلميا، وهي بموجب مقولة: "مرة وللأبد".

أما الرسالة الثالثة، فهي أن إسرائيل وجدت في هذا الأسطول والهجوم عليه فرصة جديدة لضرب كل محاولات استئناف المفاوضات وجر إسرائيل نحو طاولة مفاوضات ترفضها، فإذا عرقلت إسرائيل المفاوضات ثلاث مرات في السنة الأخيرة بسبب مشاريعها الاستيطانية، فإنها اختارت في هذه المرة تصعيدا عسكريا وعدوانيا.

الأمر الملفت للنظر في ردود الفعل الدولية، أن رد الدول الكبرى لم يكن بهذا القدر من الحدة، بل طغت عليه الضبابية، وخاصة رد الفعل الأميركي، وهذا يشير إلى أن المؤسسة العسكرية الأميركية كانت هي أيضا على علم مسبق بالنوايا الإسرائيلية، بمعنى أن إسرائيل ما كانت ستسعى إلى "أزمة"، ولو إعلامية كالأزمات السابقة مع الإدارة الأميركية، لأن هذا يضر بتماسك الاجماع الصهيوني في داخل إسرائيل، وهو أهم أهداف المؤسسة الإسرائيلية.

وما يعزز هذا الاستنتاج، هو أن الحملة الإعلامية الإسرائيلية لتفسير وتبرير هجومها كانت ضعيفة نحو العالم، وليتركز بالأساس في تحصين الجبهة الداخلية، أي الرأي العام الإسرائيلي، فمثلا تسأل المذيعة في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي أحد السياسيين: حسنا تقول إن جنودنا تعرضوا لعنف على متن السفينة، وهذا سيُقنع الإسرائيليين، ولكن ماذا عن العالم؟

إسرائيل الرسمية ما تزال مطمئنة لثبات اختلال التوازنات الدولية لصالحها، وبالذات في ظل الإدارة الأميركية الحالية، وهي تراهن على أن هذه الجريمة ستختفي في غضون أيام قليلة جدا، وحتى لربما قبل أن نودع كليا الأسبوع الحالي، لكن ما لا تدركه إسرائيل، أو لا تريد الالتفات له حاليا، هو أن جرائمها باتت تتراكم بكثرة في وعي الرأي العام العالمي، وهذا لا يخدمها على المدى البعيد، وعلى هذا يجب أن نراهن.

[email protected]