"فلاد" صانع الصفقات: روسيا وتركيا تتفقان على تقسيم شمال سورية

Untitled-1
Untitled-1

تقرير خاص – (الإيكونوميست) 24/10/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

بعد أربع سنوات من استقبالهم بالترحاب كحماة، تلقى الجنود الأميركيون الذين غادروا شمال شرق سورية وداعا أقل ودية. فأثناء خروجهم من المنطقة في انسحاب مفاجئ أمر به الرئيس دونالد ترامب في وقت سابق من هذا الشهر، رشق السكان المحليون الغاضبون سيارات الأميركيين المدرعة بالحجارة والطماطم. وهتف رجل: "مثل الفئران".
يمهد انسحاب القوات الأميركية الطريق أمام تركيا لغزو شمال سورية وطرد الميليشيا الكردية، المعروفة باسم "وحدات حماية الشعب"، التي كانت تسيطر على المنطقة. وبدعم من طاقم تم تجميعه كيفما اتفق من المرتزقة العرب السوريين، كان الغزو التركي بمثابة ضربة قاتلة للاستقلال الكردي. ولم يكن لدى وحدات حماية الشعب خيار سوى السعي إلى الحصول على الحماية من الرئيس السوري بشار الأسد، والتخلي عن معظم الحكم الكردي الذاتي في المقابل.
في البداية، أذعن السيد ترامب للهجوم التركي. ثم أرسل نائبه، مايك بينس، إلى أنقرة، حيث حصل على وقف لإطلاق النار لمدة خمسة أيام محمّل بالتنازلات لتركيا. لكن هذا الاتفاق كان مجرد عرض جانبي. فقد حدثت الدبلوماسية الحقيقية في 22 تشرين الأول (أكتوبر) في سوتشي، حيث استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره التركي، رجب طيب أردوغان. وأبرما صفقة تترك القوات التركية في منطقة تقع بين مدينتي تل الأبيض ورأس العين السوريتين، والتي تسيطر هذه القوات على الكثير منها مسبقاً.
وسوف تدخل الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري مناطق إلى الشرق والغرب لضمان قيام وحدات حماية الشعب بإخلائها أيضاً. وستكون أمام الأكراد مهلة حتى 29 تشرين الأول (أكتوبر) للانسحاب إلى عمق 30 كم على طول الحدود ونزع سلاحها. وسوف تبدأ القوات الروسية والتركية عندئذٍ في القيام بدوريات على الحدود معاً.
في أقل من ثلاثة أسابيع، ساعدت روسيا السيد الأسد على استعادة جزء كبير من الشمال الشرقي، ولعبت دور صانع السلام وعمقت الإسفين بين تركيا وحليفتها في الناتو، أميركا. وكما كان الحال دائماً، أثبت بوتين مهارة في الاستفادة من الأخطاء الأميركية. فلسنوات تذبذبت أميركا بشأن سورية. وعلى النقيض من ذلك، دعم السيد بوتين السيد الأسد بثبات. ونتيجة لذلك، خرجت روسيا كحاكم رئيسي في سورية ووسيط قوة رئيسي في المنطقة.
ولا شك في أن السيد أردوغان مسرور. فكما هو متوقع، تمكن ثاني أكبر جيش في "الناتو" من التغلب على وحدات حماية الشعب خفيفة التسليح. وأدى أسبوع من الاقتتال واتفاقيتين لوقف إطلاق النار إلى تحويل الدولة الكردية الأولى في سورية إلى رماد. لكن انتصار أردوغان مكتمل بالكاد. فقد كانت تركيا تهدف إلى إنشاء منطقة عازلة بطول 440 كيلومترا تمتد من الحدود العراقية إلى الفرات. لكن ما حصلت عليه الآن هو مجرد ثلث ذلك. ويسمح الاتفاق التركي مع روسيا للنظام السوري باستعادة بقية المناطق الكردية.
سوف يتعين على تركيا مواجهة التداعيات الدبلوماسية لهجومها أيضاً. فقد توقفت العديد من الدول الأوروبية عن بيع الأسلحة لها. وتوترت علاقتها مع كل طرف تقريباً في واشنطن، ناهيك عن الرئيس. وما يزال الكثيرون في الكونغرس يضغطون من أجل فرض عقوبات مقعِدة على البل. وما تزال التقارير عن الفظائع التي التي ارتكبها المرتزقة الذين نشرتهم تركيا في حق الأكراد مستمرة في التدفق.
كما يواجه السيد أردوغان أيضاً صداعاً في إدلب، حيث يستعد نظام الأسد لشن هجوم قد يرسل مليون شخص آخر، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجهاديين المتشددين، باتجاه الحدود مع تركيا. وحتى الآن، وبناءً على طلب تركيا، أقنعت روسيا السيد الأسد بتأجيل حمام الدم في إدلب. وقد يحاول بوتين الضغط من أجل استخلاص المزيد من التنازلات من تركيا قبل إعطاء الضوء الأخضر للنظام.
مع ذلك، لا يبدو أن أي شيء من هذا يزعج السيد ترامب. وقال في اشارة إلى تركيا والأكراد السوريين: "في بعض الاحيان يتعين علينا أن نسمح لهم بأن يتقاتلوا لفترة قصيرة. إنهم يشبهون الأولاد كثيراً، وعليك أن تسمح لهما بالعراك ثم تقوم بإبعادهما عن بعضهما". كما غرد بطريقة غريبة أيضاً عن الطريقة التي "أمَّنت بها أميركا النفط" في سورية. وقد حاول المساعدون –بحكمة- إضفاء لمسة إيجابية على سياسة مدمرة، فادعى جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، أن الحشود التي قامت برمي الطماطم كانت من أنصار الأسد، وليس من الأكراد، ولا يهم أن بعضهم يتحدثون الكردية.
على الرغم من ذلك، ما يزال من غير الواضح في هذه المرحلة لماذا ما يزال أمثال جيفري يكلفون أنفسهم عناء الحضور إلى العمل من الأساس. فبالمعنى الاستراتيجي، انتهت الحرب الأهلية السورية. وستكون هناك فظائع في إدلب، لكن المتمردين في تلك الزاوية المظلمة من سورية لا يستطيعون الإطاحة بالأسد. وقد بدأت العديد من الدول العربية مسبقاً في تقديم مبادرات له، إما لأسباب اقتصادية أو على أمل ضعيف في اكتساب بعض النفوذ. والآن، أجبر بوتين تركيا على التصالح مع النظام. وسوف يعاني عدد لا يحصى من السوريين جراء ذلك.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Vlad the dealmaker: Russia and Turkey agree to carve up northern Syria