فلسطين: مقدمة اشتراكية للكفاح التحرري

ساي إنغليرت* - (ميدل إيست آي) 16/4/2021
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

يصحب كتاب "فلسطين: مقدمة اشتراكية" إلى عمق التقليد الغني للتحليل الماركسي حول فلسطين، ويقدم أداة للذين يسعون إلى تنظيم المقاومة.

  • * *
    اتسم العقد الماضي بما يبدو هجوماً مستمراً لا ينتهي على الشعب الفلسطيني. وكان البناء الاستيطاني الإسرائيلي المستمر، والمذابح في غزة المحاصرة، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وصفقات التطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، مجرد أمثلة قليلة من كثير.
    في الوقت نفسه، تعرضت حركة التضامن مع فلسطين للهجوم في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية. وأسهمت القوانين التي تحظر حملات المقاطعة، وتساوي بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، وتجريم النشاط الفلسطيني، والفرض المتزايد لتعريف معيب لمعاداة السامية، في خلق جو يزداد قمعية باطراد.
    وفي الأثناء، وجد النشطاء والشخصيات العامة المناصرون لفلسطين أنفسهم موضوعاً للذم والشتم والاستهداف في وسائل الإعلام والعمل والجامعات، حيث تقلص إلى حد كبير الفضاء العام المتاح لمعارضة الجرائم الاستعمارية الإسرائيلية المستمرة.
    وهكذا، أصبح الحديث عن فلسطين وتاريخها وشعبها وكفاحهم من أجل التحرر يزداد صعوبة. وهذا ظلم خطير وتحدٍ استراتيجي جدي للحركة ككل. وللخروج من المأزق الحالي، يجب أن يكون النشطاء قادرين على المناقشة والمناظرة والتعلم من بعضهم بعضا.
    في هذا السياق، تعد مجموعة مقالات "فلسطين: مقدمة اشتراكية" Palestine: A Socialist Introduction، التي حررتها سمية عوض وبريان بين، ذات أهمية كبيرة. وتهدف المجموعة المكونة من 12 مقالاً كتبها في الأساس اشتراكيون فلسطينيون وعرب، إلى تعريف القراء بتقليد مستمر وغني للتحليل الماركسي من فلسطين وعنها. ويوفر محتواها الغني أداة فكرية قوية لأولئك الذين يرغبون في فهم الوضع الحالي وكيفية التنظيم من أجل تغييره.
    صراعات مترابطة
    يركز المؤلفون على وضع كل من تاريخ استعمار فلسطين والنضال من أجل تحريرها في سياق إقليمي ودولي أوسع. وهم يعيدون تأكيد الطبيعة المترابطة للنضالات المختلفة، ويحددون الدور المركزي الذي يستمر النضال من أجل تحرير فلسطين في لعبه في الطريق نحو تحريرنا جميعًا.
    تبدأ المقدمة التي كتبها المحرران باقتباس من الماركسي الفلسطيني غسان كنفاني: "القضية الفلسطينية ليست قضية للفلسطينيين فقط، بل قضية لكل ثوريّ أينما كان، كقضية للجماهير المستغلَّة والمُضطهدة في عصرنا".
    وهذه الثيمة بالغة الأساسية. فالنضال من أجل تحرير فلسطين يرتبط قطعاً بالحركات الثورية ضد الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والحركات الاجتماعية في أميركا الشمالية وأوروبا، والحركات التي تقاوم الإصلاح النيوليبرالي والتعديات الإمبريالية في جميع أنحاء العالم.
    يركز الجزء الأول من الكتاب على تاريخ فلسطين الاستعماري-الاستيطاني وحاضره، وعلى دور إسرائيل كامتداد للإمبريالية الأميركية في الشرق الأوسط، وعلى تاريخ النضال التحرري الفلسطيني. وتضع هذه المقالات تاريخ فلسطين في سياق عالمي وإقليمي يتميز بالاستعمار الأوروبي، والإمبريالية الأميركية، والطبيعة القمعية للطبقات الحاكمة الإقليمية. وفي مواجهة هؤلاء الأعداء، كافح الشعب الفلسطيني، وتنظم، وخسر، وقام مرة أخرى ليقاتل يوماً آخر.
    في مقاله، يذكِّر مصطفى عمر القراء بقوة بأنه عندما حاولت أقسام مختلفة من الحركة الفلسطينية التحالف مع أحد هؤلاء الأعداء، تم استغلالها وخيانتها ورفضها. ويعمل هذا كتذكير مهم للنشطاء اليوم الذين يأملون في إيجاد طرق مختصرة للخروج من المأزق الحالي.
    موجة ثورية
    يتوسع القسم الثاني في هذه المواضيع من خلال التأمل في مكانة فلسطين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ككل. في "ليس حليفاً: الطبقة العاملة الإسرائيلية"، تتأمل دافنا ثير في مشاركة الحركة العمالية الإسرائيلية في استعمار فلسطين، والفوائد التي تجنيها من القوة الاستعمارية والعسكرية لإسرائيل.
    ويعيد مقال توفيق حداد، "ثمن ‘السلام’ بشروطهم"، النظر في المواضيع التي تم تطويرها سابقًا في كتابه المهم حول الاقتصاد السياسي لما يسمى بعملية السلام ودمج السلطة الفلسطينية في الحكم الكولنيالي الإسرائيلي. وبعد ذلك يأتي مقال جهاد أبو سالم بعنوان "فلسطين في عملية التحرير"، الذي يتعقب أهمية فلسطين في تحرير المنطقة ككل، ومركزيتها في الموجة الثورية التي اندلعت في العام 2011 ووجدت نفسًا جديدًا في العام 2019.
    يوجه القسم الثالث والأخير اهتمامه إلى دور التضامن الدولي خارج المنطقة. وفي مقابلة مع عمر البرغوثي، المؤسس المشارك لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، يناقش محررا الكتاب الإنجازات والمهام التي تنتظر الحركة، بينما تحلل مقالات أخرى العلاقات بين التحرير الفلسطيني، وتحرير المرأة والنضال من أجل تحرير السود في الولايات المتحدة.
    وتتوجه كلمة ختامية للشاعر الفلسطيني/ الأميركي ريمي كانازي مباشرة إلى الحركة الدولية، وتذكرنا بالنضالات المستمرة في فلسطين، تلك التي خيضت ضد الاستعمار والإمبريالية في الماضي، وأهمية مواصلة المعركة الجماعية والدولية والشعبية من أجل التحرير.
    والرسالة واضحة: لقد واجه الشعب الفلسطيني أعداء كثيرين، ليس الحركة الصهيونية ومشروعها الاستعماري فقط، وإنما الدول الغربية التي أيدتهما والقوى الإقليمية التي سالمتهما أيضاً، خوفاً من القوة المزعزِعة المزعومة للحركة الفلسطينية.
    رسم مسار جديد
    في مواجهة هذه المصاعب الرهيبة، يستمر النضال من أجل التحرير الفلسطيني. ولا يمكن الكفاح من أجل الحرية إلا من الأسفل. يجب أن نناضل في شوارعنا، وأماكن عملنا، وجامعاتنا ومجتمعاتنا من أجل تحريرنا وتحرير جميع المظلومين والمضطهدين والمستغَلين.
    يقدم الكتاب مساهمة مهمة لحركة التضامن مع فلسطين، خاصة في هذا الوقت الموسوم بالتراجع وإعادة التفكير. وبالعودة إلى تاريخ نضال الشعب الفلسطيني من أجل العودة والتحرير، يرسم المؤلفون لنا مسارًا إلى الأمام اليوم. وهو مسار وعر وصعب، يتأسس في المعارضة المبدئية للقمع والاستغلال في كل مكان -لكنها المعارضة الوحيدة الموجودة.
    واستلهاماً لتعبير الجماهير الثائرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كان عنوان خاتمة الكتاب: "ثورة حتى النصر".
اضافة اعلان

*Sai Englert: محاضر في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط بجامعة ليدن. يركز بحثه على عواقب النيوليبرالية على الحركة العمالية في إسرائيل. كما أنه يعمل على الاستعمار الاستيطاني وتحويل العمل ومعاداة السامية. وهو عضو في هيئة تحرير كل من مجلتي "المادية التاريخية" و"ملاحظات من الأسفل".
*نشر هذا العرض تحت عنوان: Palestine: A socialist introduction to the liberation struggle