فلسفة برامج الدعم والإنقاذ العملاقة في أزمة كورونا ومآلاتها!!

لا شك أن جائحة «كوفيد- 19» أجبرت الحكومات في جميع أنحاء العالم على خلق موازنات ضخمة جداً أكبر من أن تسمى «ملاحق موازنات» الى جانب موازناتها العادية. فها هي الحكومات تضع موازنات ببنود انفاق متغيرة، ساعة بساعة، تم من خلالها إنفاق مبالغ ضخمة جداً على الاقراد والاسر والشركات والقطاعات الاقتصادية التي تأثرت مباشرة بهذه الجائحة. فها نحن نشهد بأم اعيننا مستويات من الإنفاق شبيه بمعدلات الإنفاق في أزمنة الحروب.اضافة اعلان
الهدف من عملية الانفاق هذا هو منح الافراد والاسر والشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة القدرة على الاستمرار والبقاء، ومحاولة لتحقيق الاستقرار في تلك الاقتصادات.
اختلفت أشكال حزم الدعم التي ظهرت خلال الاسابيع القليلة الماضية من دولة لأخرى، وذلك باختلاف قوتها المالية والنقدية والاقتصادية، واختلاف نظمها الاقتصادية والاجتماعية، وحجم الاضرار والخسائر المقدرة جراء هذه الجائحة القاسية. الدول الغنية التي لديها فوائض مالية في خزائنها (مثل المانيا واليابان) قدمت بلا تردد برامج دعم وصلت الى أكثر من 20 % من حجم ناتجها المحلي الاجمالي وهذا يعكس قدرتها المالية وبنفس الوقت يعكس حجم الاضرار والخسائر المتوقعة. دول أخرى لديها القدرة على طباعة النقود بلا حدود، مثل الولايات المتحدة الاميركية، أيضا أغدقت على مواطنيها ومؤسساتها أموالا طائلة وصل حجمها أكثر من 11 % من حجم ناتجها المحلي الاجمالي. دول لجأت الى صناديقها السيادية ومؤسسات الضمان الاجتماعي لديها لتعويض ودعم العمال بمختلف فئاتهم. ودول اخرى لجات لبنوكها المركزية وقطاعها المصرفي لتوفير برامج وادوات نقدية ومصرفية لتوفير التمويل والدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة بشروط ائتمانية سهلة.
في الأردن، تنوعت البرامج والآليات والاجراءات الذاتية التي لجأت اليها المملكة طوال الاسابيع الماضية لمواجهة تداعيات جائحة كورونا على الافراد والاسر والعمال والشركات. فبعضها، على سبيل المثال ، كان على شكل دعم نقدي مباشر من خلال صناديق تبرعات أنشئت لهذه الغاية تحملتها شركات القطاع الخاص وبعض الافراد الميسورين، وأخرى ضخمة جاءت عن طريق برامج وأدوات وتدابير واجراءات قدمت من خلال البنك المركزي والجهاز المصرفي والمؤسسات التابعة له. وبعضها الآخر من خلال تدابير واجراءات قدمت من خلال دوائر تابعة للخزينة الاردنية كدائرتي ضريبة الدخل والجمارك والدوائر الاخرى التابعة لها على شكل تأجيل دفع ضرائب ورسوم واشتراكات، وبرامج قدمت من خلال مؤسسة الضمان الاجتماعي، وغيرها.
من الواضح أن ارتفاع عجز الموازنة والمديونية في المملكة قد كبل مساهمة السياسة المالية في هذا المجال، وحمل العبء على الاطراف الاخرى في المعادلة وأهمها السياسة النقدية والبنك المركزي والقطاع المصرفي، وهي جهات قوية وقادرة وما يزال في جعبتها الكثير.
الفلسفة الاقتصادية التي تقوم عليها كل هذه المبادرات والبرامج والاجرءات والتدابير هي المحافظة قدر المستطاع على استدامة واستمرارية وصمود وصلابة القطاعات والشركات والاقتصاد خلال هذه الجائحة القوية والعبور بها الى شاطئ الامان.
الا أن النتائج المتوقعة لهذه الاحجام الكبيرة من الانفاق هي تزايد احجام عجوزات المالية العامة نتيجة تراجع الايرادات في حالة الاردن وتزايد الانفاق في حالة الدول الاخرى، وتفاقم مديونياتها العامة بالارقام المطلقة ونسبة للناتج المحلي الاجمالي الى مستويات قياسية جديدة. أما النتائج الاخرى المتوقعة للجائحة فهي على ارقام البطالة نظرا لعدم قدرة العديد من القطاعات على تحمل اعباء توقف النشاط الاقتصادي من جهة، ونظرا للتحول الكبير المتوقع أن يحصل في طريقة تأدية الاعمال وخاصة في القطاعات الخدمية التي يمكنها القيام بنفس نوعية وحجم الاعمال عن بعد وبكادر موظفين وعمالة أقل.
وفي حين أن معظم الدول تؤمن أن العجز الكبير المتوقع أمرٌ محمود يستحق دفعه لمواجهة تبعات الجائحة، فإنَّ اقتصادات أخرى قلقة بشأن تراكم المديونية بعد انتهاء كورونا. ويخشى البعض من أن المقرضين سيشعرون بالتردد في إقراض الحكومات التي تعاني من ضائقة مالية؛ مما قد يجبر تلك الحكومات على الاقتراض بأسعار فائدة مرتفعة. ويشعر البعض الآخر بالقلق من أن الحكومات قد تحتاج إلى فرض سياسات تقشفية مؤلمة خلال السنوات المقبلة لسداد الدين العام. حمانا الله جميعا من هذا الوباء.