فوبيا المرض.. هوس ومبالغة أم تجاهل يضر بصاحبه

Untitled-1
Untitled-1

ديمة محبوبة

عمان- لا شك أن الإنسان يخاف على صحته، وصحة من حوله، لكن في بعض الأحيان نرى أن الشك بوجود الأمراض الخطيرة يسيطر على عقول البعض، فإن لاحظوا اختلافا في الفحوصات الدورية، أو علامة ملونة في الجسم أو انتفاخا ما "بدون التعرض لكدمة أو إصابة" يتجه تفكيرهم سريعا للإصابة بمرض السرطان.اضافة اعلان
ويرى أخصائيون أن الأشخاص الذين يخشون المرض ينقسمون إلى فئتين؛ الأولى لديها هوس تام، ما يعني أنه في الشهر الواحد يزورون أطباء عدة، ويقومون بفحوصات كثيرة، خوفا من الإصابة بمرض ما، أو حرصا منهم على اكتشاف أي مرض في وقته المناسب، وهذا يعد "هوسا حقيقيا".
أما الفئة الثانية، فتخاف من المرض، وتلقي العلاجات، أو الخضوع للفحوصات اللازمة، ما يجعل أفرادها لا يخاطرون بالذهاب إلى الطبيب، وإن لزم الأمر يلجؤون للعلاجات العشبية أو العلاجات المضمونة بالنسبة لهم، بحسب اعتقادهم، كمسكن الآلام أو بعض المضادات الحيوية الخاصة بالالتهابات البسيطة، والتي ما تزال عالقة بذاكرتهم منذ الطفولة، ويتم تناولها بدون استشارة الطبيب.
تروي علا خالد قصة زوجها الذي اكتشف ارتفاع ضغط الدم لديه فجأة، بعد وفاة والده بفترة وجيزة؛ إذ كان يشعر دائما بألم في رأسه، وبعد أن رافقه صديق مقرب له إلى إحدى الصيدليات القريبة من المنزل لأخذ قراءة ضغط الدم لديه، ظهرت النسبة عالية جدا.
وبعد أن واظب على مدار أسبوع بأخذ القراءات لضغطه، كانت النتيجة "مرتفعة" عن الحد الطبيعي، كما قام صديقه بإجباره على زيارة الطبيب المختص، وإقناعه بمتابعة حالته وتلقي العلاج المناسب، والالتزام به.
وتقول الزوجة "الغريب أنه خلال فترة قصيرة، لاحظت بأنه حين يذهب لقياس ضغط دمه يتوتر بمجرد وضع يده داخل جهاز الفحص، وتبدأ ضربات قلبه بالتسارع، حتى أن العرق يتصبب من وجهه بشكل مريب، ولم يستطع السيطرة على هذه الحالة إلا بعد جلوسه المطول مع الطبيب، والذي شرح له المعلومات كافة عن هذا المرض، وعليه بتجاهله وتجاهل أعراضه، وعليه يتمكن من مواجهته، واستعادة انضباط جسده".
اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، يؤكد أن الكثير من الناس لديهم رهاب من أشياء مختلفة، منها مقبولة، وأخرى غير مقبولة، لكن الرهاب من المرض هو نوع مختلف؛ إذ يخاف الفرد من شيء موجود داخل جسده على عكس الخوف من الحيوانات أو المناطق المظلمة أو المغلقة، وعليه يمكن تجنبها، أما المرض فهو شيء موجود وحقيقي وملاصق له، وينهش جسده إن لم يخضع لعلاج حقيقي.
في حين يبين مصطفى محمود أن الخوف من المرض مهما كان صغيرا أو كبيرا هو أمر موروث عن والدته، والتي كانت تخشى المرض كثيرا، فمن الممكن أن تغض عينيها وأذنيها عن أي حديث حول الإصابة بالأمراض، بل وتحاول أن تطمئن من حولها، وبأن الحديث عن الأمراض يجلبها، لذا تنصحهم بالتجاهل وعدم النقاش بها.
ويقول "تربيت على هذا الخوف، وبالفعل أشعر بالتشاؤم عندما أسمع أن أحدهم مريض، أو يشعر بأعراض مرض ما، وعليه لا أشجعه على زيارة الطبيب أو إجراء الفحوصات اللازمة، بل أحاول منعه عن الأمر، بالقول: لماذا تتفاءل بالسوء.. اترك أمرك لله".
لكن هذا الحال لم يدم كثيرا، فبات جسده يضعف بشكل كبير، ولا طاقة لديه لفعل شيء، حتى قابليته على الطعام قلت، وبدأت علامات التعب تظهر عليه ولاحظها الجميع، ولكن بعد طلب زوجته وأبنائه وإصرارهم على ذهابه للطبيب للاطمئنان على صحته، كانت النتيجة إصابته بمرض السكري منذ مدة، ما أثر على كليتيه، حتى بات واجبا عليه الخضوع لغسيل الكليتين، كونهما لا تعملان بشكل مناسب.
ويلفت محمود إلى أن الخوف من المرض ومن العلاجات هو السبب في تردي حالته الصحية، واستنتج بأن اعتقاده خاطئ، ومنذ ذلك اليوم اختلفت طريقة تفكيره، فعندما يسمع بأن أحد أقربائه يعاني من صداع أو من أعراض ما، ينصحه بالاستعانة بالطبيب المختص، لكشف المرض إن وجد وبأسرع وقت.
ويؤكد، بعد تجربته المريرة من المرض، وخصوصا أنه هو من جلبه لذاته لجهله وخوفه، بأن الكشف المبكر عن أي مرض هو السبب الرئيسي الذي يساعد على تخفيف المرض وعلى الشفاء بأسرع وقت ممكن.
اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، يؤكد أن العصور الماضية كانت الدول وما تزال تقوم بتوعية الناس عن الأمراض، وأهمية ملاحقتها، والمتابعة مع الأطباء المختصين، أما تجاهل المرض فلا يعني السيطرة عليه أو ضحده بل على العكس تماما، تجاهل المرض يعني سيطرته على الشخص.
ويؤكد أن على المجتمعات اليوم أن تكون أكثر وعيا بما حولها، وأن العلاجات باتت متوفرة، ويمكن السيطرة على المرض في حال الكشف المبكر، فصحة الأفراد تؤثر في المجتمع بشكل إيجابي كالثقافة والحضارة.
وعن علاج الرهاب المرضي للفئتين، يذكر مطارنة أن الإيمان بالقدر وبالعلم الذي نشر في العالم، جميعها عوامل موجودة لمساعدة هذا الشخص الخائف من المرض، فيركز كل خطاه على البحث عن المرض أو يعمل نفسه كالنعامة غير مكترث لما يدور حوله، "فهو لا يعلم يعني غير مريض".
الحالتان أو الفئتان التصرف بهما غير منطقي ومضر، على حد تعبير المطارنة، ويجب الاعتدال والمواجهة المنطقية حتى مع الأمراض بوجودها وعدمها، والخوف منها، فعلى سبيل المثال؛ إذا ظهر مع أحد الأقارب مرض خطير لا ضير من عمل الفحوصات اللازمة للتأكد من عدم وجودها لديه، لكن ليس بلا سبب وبلا أعراض.
ويضيف "الأهم أن هؤلاء الناس يقومون بالفحوصات بشكل شهري"، مبينا "بعدم وجود مشاكل صحية يتوجب على الفرد أن يقوم بفحوصات لمراقبة الحالة الصحية في السنة مرة أو مرتين فقط". وينصح مطارنة الفرد الذي يعاني من رهاب المرض، بالتوجه لزيارة الطبيب النفسي والسلوكي والجلوس والحديث عن الأمر بشكل مطول، ليتم التحاور معه عن الأمراض وكيفية اكتشاف البعض منها، وأهمية اكتشافها مبكرا، لكن بشكل إيجابي بعيدا عن الهوس والتخبط أو حتى التجاهل.