
سلامة الدرعاوي
سلسلة القرارات الرسميّة التي اتخذت خلال الأيام الماضية والتي وصفت بأنها إصلاحية للاقتصاد تكشف عن أمر خطير يحدث داخل أروقة الحكومة وتحديداً بين وزرائها الذين على ما يبدو أن عملية التنسيق فيما بينهم محدودة للغاية إن لم تكن معدومة.
القرارات الإصلاحية التي اتخذت تتعارض في نتائجها مع بعضها البعض، لدرجة أن المحلل أو المراقب يحتار فيما تريده الحكومة أصلا من هذه القرارات على ضوء النتائج التي أعلنت عنها والتي بعضها يتعارض مع المنطق والواقع.
الحكومة قبل أيام رفعت الحماية الجمركية عن المستوردات وخفضت غالبيتها لـ5 %، وهذه تشكل ضربة موجعة للعديد من القطاعات الصناعيّة الذي لم تتمكن من منافسة نظيرها المستورد كالملابس والأحذية على سبيل المثال، في ذات الوقت يأتي القرار الأخير بتعديل التعرفة الكهربائيّة التي سيبدأ سريانه اعتبارا من الأول من نيسان المقبل ليخفض التعرفة الكهربائيّة على القطاع الصناعيّ بنسب متفاوتة.
أيضا الحكومة قالت بأن تخفيض الرسوم الجمركيّة سيكون لمصلحة المواطن وقوته الشرائية التي ستزداد مع هذا التخفيض الجمركي، إلا أن قرار التعرفة الكهربائيّة الأخير سيزيد من أسعار الكهرباء على فئات عديدة من المواطنين.
قبل أيام كان عنوان أحد اللقاءات الرسميّة المهمة في الدولة في مختلف وسائل الإعلام، بأن المرحلة المقبلة ستكون مخصصة لمواجهة البطالة وتحدياتها باعتبارها الخطر الأكبر الذي يواجه أمن واستقرار المجتمع، وفي ذات اليوم وبعد ساعتين من نشر الخبر السابق، تخرج الحكومة بقرار رسمي عبر مختلف وسائل الإعلام مفاده تخفيض رسوم العمالة الوافدة.
الأمثلة السابقة هي ليست الوحيدة في السلوك الحكومي، فالتناقض في الإجراءات والنتائج أمر متراكم منذ سنوات، بسبب عدم المحاسبة والمساءلة والمتابعة، فالحكومة التي حصلت على منحة خليجية بقيمة 3.67 مليار دولار، وانخفضت أسعار النفط في عهدها لحوالي 33 دولارا للنفط، ارتفع عجز الموازنة فيها وتضاعف حجم الدين وزادت قيمته بنحو 8 مليارات دينار في عهدها فقط، بدلا من أن تنخفض المديونية نتيجة تدفق المساعدات، لكن سوء الإدارة والتخطيط أدى إلى فشل توظيف هذه المساعدات التي ذهب غالبيتها لـ”تزفيت الشوارع” لمزارع وفتح طرق لمتنفذين في المجتمع.
والحكومة هي نفسها من قالت وادعت بأن إزالة دعم المحروقات سيساهم في مواجهة عجز الموازنات المزمن، وفعلا قامت الحكومات بلا استثناء بإزالة دعم المحروقات بجميع أصنافها عدا أسطوانة الغاز، والنتيجة اختفاء مخصصات دعم المحروقات وتنامي عجز الموازنة.
حتى الإصلاح الذاتي الذي دائما تتغنى به الحكومات لأنها ستنفذه، فالخطاب الإعلام شيء، والتنفيذ ومن ثم النتائج شيء آخر، فكل عام يتضخم القطاع العام وتخرج الكفاءات بفضل القرارات الحكوميّة المزعومة بالإصلاح الإداري.
ما آلت إليه قرارات الإصلاح الاقتصاديّ ليس في هذه الحكومة وحسب، بل في غالبية الحكومات هو نتائج مخيبة للآمال والتطلعات، فالعمل المؤسسي الجماعي مفقود في الحكومات، وكل وزير يعمل على “ليلاه”، حتى أن البعض لا يتحدث مع زميله الآخر وإن كان الهدف في التوجهات هو قرار واحد، فكل واحد منهم يعمل كأنه في جزيرة منفصلة عن الآخر مع كل أسف، وباتت قرارات الحكومة الإصلاحية، تخرج بشكل فوضوي لا يتلمسه المواطن أبداً، الأمر الذي يستدعي وقفة مراجعة حول سلوك اتخاذ القرار، ومدى توافقه وانسجامه مع قرارات أخرى، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان في داخل الحكومات عمل جماعي واتفاق مكتوب ضمن إستراتيجية إصلاحية تناقش بشكل مؤسسي داخل أروقة الحكومة وليس في مكاتب منفصلة لكل وزير على حدة.