فوضى في بيت "النواب" وسطو على حق الأغلبية

تحمل الفوضى العارمة التي انتهت بها جلسة مجلس النواب صباح أمس، أكثر من بعد ومعنى، ليس فقط على صعيد واقع المجلس، والعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل تتعداهما لتعكس حجم استمراء اللجوء إلى العنف، والصوت العالي، والاستقواء، لدى العديد من المواطنين والقطاعات، ومن ضمنهم النواب، في التعبير والاحتجاج، وذلك على حساب الفعل المنتج والمسؤول، وضربا لفكرة الاعتراض والاحتجاج ذاتها!اضافة اعلان
لقد سجل للنواب موقف أغلبيتهم، في أولى معاركهم بالتصدي لقرار الحكومة برفع أسعار المحروقات، وذلك عندما عبرت هذه الأغلبية، الأحد الماضي، عن رفضها لهذا الرفع، واتبعتها بمذكرة نيابية ترفض القرار، وتحمل تواقيع 94 نائبا. كما سجل للمجلس وهذه الأغلبية أمس، رفض تأجيل الجلسة النيابية وترحيلها إلى الأسبوع المقبل، وهو ما كان يعني (أي التأجيل) إخراج وتهريب الحكومة ورئيسها من حرج مواجهة موقف الأغلبية النيابية وهي تصر على إلغاء قرار الرفع، خاصة وأن من المرتقب الآن تقديم الحكومة استقالتها خلال يومين، تجنبا لشبهة دستورية، مرتبطة بضرورة التقدم ببيان الثقة للنواب.
كنا نتوقع أمس معركة حامية الوطيس تحت قبة البرلمان، بين أغلبية نيابية تحمل موقفا واضحا من قضية رفع أسعار المحروقات بدون الرجوع إلى النواب أو مشاورتهم، وبين الحكومة ورئيسها الذي جاء يدافع عن قراره وسياسة حكومته. وكنا ننتظرها معركة ديمقراطية ومنتجة، يقابل فيها الموقف بالموقف، والحجة بالحجة. وأجزم أن أغلبية الشعب الأردني كانت تتمنى أن يخرج النواب منتصرين في هذه القضية، وأن تضطر الحكومة إلى التراجع عن القرار.
لكن ما جرى تحت القبة صباح أمس أيقظنا سريعا من الحلم! فالفوضى، و"التفلت" والشتائم، والتلويح بالمسدسات، والضرب بالأيدي ومنافض السجائر، و"قلب الأمور دندرة" بلغة الشارع، نزل كالصاعقة على كل من تابع أعمال الجلسة، التي كان يفترض بها أن تكون تاريخية في عمر المجلس النيابي الحالي، بل والحياة النيابية قاطبة.
لم يكن الأسوا أمس ما شهدته قبة البرلمان من فوضى وشتائم وعنف وتلويح بسلاح ناري، بالرغم من قتامة هذا المشهد والاستنكار الشديد له؛ بل الأخطر والأسوأ أن هذه الممارسات والأفعال، وبعضها يدخل في باب الجرمية والمخالفة القانونية الواضحة، صادر حق المواطنين في أن تخوض الأغلبية النيابية، أو هكذا يفترض بها، معركة إلغاء قرار رفع أسعار المحروقات، ورفع العبء المعيشي الصعب الذي تسبب به القرار على كاهل الشرائح الفقيرة والمتوسطة. إذ أجهضت الفوضى "غير الخلاقة" حق الأغلبية في التعبير عن رأيها بكل ديمقراطية ومسؤولية، وحرمتها من اللجوء إلى السلاح المنتج والفاعل في هذه المعركة، وهو التصويت الديمقراطي، وإشهار موقف الأغلبية النيابية في وجه الحكومة.
لن نذهب إلى عقلية المؤامرة وتفسيراتها، والاعتقاد بأن ثمة مصلحة حكومية في الفوضى والعنف الذي دب تحت القبة، ما مكنها من التهرب من حرج المواجهة مع رأي الأغلبية النيابية، رغم أن هذا التفسير أو الاحتمال قد يكون واردا؛ فالأهم هو فشل النواب أمس في استكمال وإنهاء أهم معركة تواجههم حتى الآن، والتي كان يمكن لها أن تشكل رصيدا إيجابيا كبيرا لهم لدى الناس، وتعيد جزءا من الثقة الشعبية المفقودة بالمؤسسة التشريعية!

[email protected]