فيدرالية العشائر الأردنية

مضى على تأسيس الدولة الأردنية اثنان وستون عاماً، وما تزال تطفو على سطح المشهد الوطني، في كل لحظة ارتباك تمر بها الدولة، مظاهر مقلقة من تراجع الانتماء للدولة والوطن، وبروز ولاءات فرعية عشائرية أو مناطقية؛ جهوية أو إقليمية. ويشير ذلك في طياته إلى عجز الدولة بعد عن الإجابة الكاملة على سؤال المواطنة، وتراجع قدرتها على صون الوحدة الوطنية التي لا تلتئم إلا بالولاء الموحد للدولة والوطن، والمساواة بين جميع أبناء الوطن دونما أي تمييز، وتكريس سيادة القانون.اضافة اعلان
العشيرة كيان اجتماعي، نشأ عن ولادة طبيعية للأسرة الممتدة التي تقوم على رابطة الدم. وهي ليست على تضاد مع الكيان السياسي من حيث المبدأ، لكن انخراط العشيرة في الكيان السياسي لا بد وأن ينطوي على تقديمها تنازلات لصالح الكيان السياسي الذي يمثل المصلحة العامة، مثلها في ذلك مثل أي مكون اجتماعي آخر.
عندما تأسست الدولة الأردنية مطلع عشرينيات القرن الماضي، لم تكن العشائر الأردنية على كامل استعداد للموافقة على الانخراط في جهود تأسيس الدولة. وجاء جزء من مشاركاتها في تأسيس الدولة على غير رضا منها. وهذا لا ينتقص من تقديرها في حينها، كما لا ينتقص من تقدير الحكومة المركزية وما قامت به من خطوات جبرية لتسريع قبول العشائر بمبادراتها التوحيدية والانخراط في كيان الدولة الوليدة.
الآن، وبعد اثنين وستين عاماً من قيام الدولة، وتعاقب ثلاثة دساتير عليها، فما إن يتعكر صفو المشهد الوطني قليلاً، حتى تطفو على السطح بوادر انتماءات عشائرية ورمية، كنا نعتقد أن الدولة دفنتها منذ عقود. وتطفو معها ولاءات ضيقة، تتقدم على أي ولاء وطني؛ تتوسع تارة لتتغطى بغطاء جهوي ومناطقي، وتتقلص تارة أخرى لتأخذ مظهراً فرعياً تحت عشائري (عائلي)، يمثل جزءاً من العشيرة.
مع حالة الارتباك التي تمر بها الدولة حالياً، وطريقة توزيع الدوائر الانتخابية، صار نائب ينتمي إلى عشيرة محترمة يطالب بثلاثة وزراء لعشيرته على الأقل في مجلس الوزراء. وأصبح نواب إحدى العشائر التي نقدرها يدعون إلى تخصيص كوتا لها في مجلس النواب. ومع ذلك، لم يرتفع صوت رسمي أو شعبي واحد للرد على هذا التجرؤ غير المسبوق للمنطق العشائري الضيق والمنافي للانتماء للدولة والولاء لها. نفهم مع هؤلاء أن توزير من ليس لهم أدنى تمثيل مجتمعي، أو تزوير الانتخابات، لا بد وأن يؤديا إلى الغضب والاحتقان، لكننا لم نحسب أبداً أن يقودنا ذلك إلى التخلي عن الانتماء للوطن لصالح ولاءات عشائرية، أو أي ولاءات فرعية أخرى.
ليس في الأردن من هو ليس ابن عشيرة، أو ابن عائلة تنتمي لعشيرة، وإلا من أين خلق المواطنون الذين لا يتسمون بأسماء عشائرهم؟ والدستور والقانون لا يعطيان لابن عشيرة فضلاً على ابن عشيرة أو عائلة أخرى أقل عدداً أو أضيق امتداداً جغرافياً. ما يجعلنا نطالب أجهزة الدولة بالكف عن كل ما يدغدغ المشاعر العشائرية الأولية لدى العامة من أجل مكاسب سياسية مرحلية ضيقة، لأن ذلك يؤذن بالعودة إلى تصنيف المواطنين على أسس ما قبل قيام الدولة.
العشائر وحدها، مع كامل الاحترام لها، لا تصنع وطناً؛ والنهج العشائري لا يبني دولة. ونخشى إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه دون تصد للنزعات المفرّقة، الارتداد إلى انتماءات ضيقة، وولاءات ما قبل الدولة؛ وأن نذهب في طريق نخسر بها وحدتنا الوطنية، ونبتعد أكثر مما ابتعدنا حتى الآن عن بناء الوطن الديمقراطي الذي طالما تغنى به الجميع نظرياً، حتى لا نتفاجأ يوماً بمن يدعو إلى إنشاء فيدرالية الأردن العشائرية.

[email protected]