"فيسبوك" على كل ظالم

هذا أحد الشعارات التي رفعها المتظاهرون في مختلف أنحاء مصر، ما يؤكد أن صورة العالم العربي سياسيا واجتماعيا تتغير بشكل درامي يصعب التنبؤ به. وهذا التغير الذي يشهده العالم العربي ليس على صورة التغيرات التي شهدها في القرن الماضي عندما كان يأتي التغيير من قبل المؤسسة العسكرية "على ظهر الدبابة"، وكان الناس لا يعرفون عن طبيعة هذا التغيير إلا من خلال إعلان البيان الأول للثورة عبر الإذاعة والتلفزيون الرسميين اللذين يحكمان تشكيل الرأي العام للجماهير، ويشكلان مصدر الأخبار الوحيد لطبيعة ما يدور من أحداث على الساحة السياسية المحلية والخارجية.

اضافة اعلان

ولكن ما يحدث حاليا في ثورة الإعلام الاجتماعي الجديد أن هذا الشكل من الإعلام أضعف وسائل الإعلام التقليدية التي تتبع بيروقراطية الدولة لصالح القوى السياسية وهيئات المجتمع المدني، من خلال قضائه على احتكار المعلومات، وضمانه لانسيابها بحرية لا يمكن التحكم فيها.

فظهور الإعلام الإلكتروني إيذان ببداية تحرر الإنسان من أجهزة التوجيه الإعلامي التي تسيطر على عقله، وهو تحرر مزدوج يشمل حرية الإرسال، وحرية الاستقبال. ومن مظاهر هذه الثورة الإعلامية الجديدة تسهيل الحصول على المعلومات وهي ما تزال طازجة من مصادرها المباشرة. فبمجرد نقرة على شاشة الكمبيوتر، ينتقل القارئ من موقع إلى موقع أينما أراد على وجه الأرض، ويقرأ عن أي موضوع يشاء بأي لغة يفهم، من دون مصادرة أو قيود.

وأدى ذلك إلى تسهيل إيصال المعلومات إلى الجمهور من دون تحكم من الحكام المستبدين أو رجال المال المحتكرين لملكية وسائل الإعلام، وتوفير المعلومات الصحيحة هو أول خطوات التغيير، وقد كان احتكار أهل السلطة والثروة للمعلومات في الماضي من أهم الوسائل التي يحتمون بها.

وأصبح بالإمكان إيصال الرسالة الإعلامية بالشكل الذي يريده المرسل، من دون تدخل موجه من أباطرة الإعلام الذين اعتادوا التصرف بالمعلومات التي تصلهم وصياغتها وإخراجها بالطريقة التي تخدمهم، على حساب المرسل الأصلي ورسالته، بل قد يقدّمون الرسالة بصورة تخدم نقيض ما أراد مرسلها.

ورخص ثمن الاتصالات، بل ومجانيتها في أغلب الأحوال، يجعلها متاحة للجميع، ولا مجال لاحتكارها من طرف الحكومات القمعية أو الشركات الاحتكارية. ومن فوائد رخص ثمن الاتصالات إشراك عامة الناس في المعلومات، وتلك هي الخطوة الأولى لاتخاذ الموقف السياسي الرشيد.

ورغم أن الحكام الديكتاتوريين يميلون إلى التضييق على تكنولوجيا الاتصال الحديثة مثل الإنترنت، خوفا من انفلات الأمور من قبضتهم، فقد بدأ الإعلام الإلكتروني يقضي على إعلام الورق "الصحف"، وبدأ يضايق إعلام الصورة "التلفزيون"، وهو مرشح للسيادة في المستقبل، بسبب الميزات العديدة التي يمتاز بها على الإعلام الاحتكاري التقليدي، ومن هذه الميزات: أن الإعلام الإلكتروني يعطي القارئ فرصة اطلاع أكبر من الناحية الكمية، ففي جلسة واحدة أمام الكمبيوتر يستطيع القارئ أن يطالع عشرات المصادر الإعلامية، من جميع أرجاء العالم، ومن دون تكلفة مالية تذكر، وهو أمر غير ممكن عمليا من حيث الوقت ومن حيث الكلفة، في التعامل مع الإعلام التقليدي، ويعطي القارئ حرية الانتقاء والمقارنة، من خلال الاطلاع السريع على العديد من المصادر المختلفة الرؤى والخلفيات، واستخلاص النتيجة التي يراها أقرب إلى الحقيقة، من دون أن يظل أسيرا لرؤية مخصوصة، ولا تخفى قيمة ذلك في تحرير إرادة المتلقي في تعاطيه مع الوسيلة الإعلامية. وهو يمكِّن القراءة المتخصصة، فلم يعد من اللازم استنزاف الوقت والجهد في تصفح الصحف بحثا عن موضوع معين، أو انتظار برنامج مخصوص في إحدى القنوات التلفزيونية، بل أصبح الإنترنت، بوسائل البحث في مادته، يمكّنك من الاطلاع على الموضوع الذي تريد في الوقت الذي تريد.

[email protected]