فيلم "1982".. الطفولة والبلوغ في مواجهة الحرب

Untitled-1
Untitled-1

إسراء الردايدة

عمان- من ذاكرة الحرب قبل 37 عاما التي لم تفارق أذهان كثير من اللبنانيين حتى اليوم، يروي المخرج اللبناني وليد مؤنس في فيلمه "1982" ما حصل يوم اجتاح الكيان الصهيوني الأراضي اللبنانية، لينقله للشاشة بعيون الأطفال في آخر يوم لهم في المدرسة.
الفيلم يعد الأول لمخرجه الذي نال جائزة لجنة التحكيم "فيبرسي" في مهرجان الجونة السنيمائي بدورته الثالثة، وجائزة شبكة الترويج لسينما آسيا والمحيط الهادئ في مهرجان تورونتو الدولي، ينقل أثر الحرب النفسي والخوف والقلق الظاهر بعيون الأطفال.
المخرج مؤنس يسرد تأثير القصف الجوي الإسرائيلي على المدنيين اللبنانيين والتي يعيشها طلبة في مدرسة تقع في أحد جبال بيروت، منطلقا من قصة بسيطة هي محاولة الطفل وسام أن يبوح بإعجابه لزميلته جوانا في الصف، وحين يقع القصف تنتشر حالة كبيرة من الإرباك والفوضى التي يمر بها البالغون، بين مدرسين مدنيين ونشرات إخبارية.
وفي حين يكون اليوم الأخير في المدرسة يوم فرح، غير أن العكس هو ما نراه على الشاشة، خوف يسكن قلوب الكبار والصغار، وبطولة يقودها طفل حالم هو وسام "لعب دوره محمد دالي" يريد أن يعترف بحبه لزميلته قبل العطلة الطويلة.
الحب يكون خلفية هذه الحرب، فهنالك حب غير معلن بين المعلمة ياسمين "نادين لبكي" وجوزيف "رودريغ سليمان"؛ إذ إن كلا من العاشقين يدافع عن الآخر ويحاول حمايته بطريقته الخاصة.
الحرب حاضرة غائبة، فهنالك صوت للطائرات التي تمر فوق سماء المدرسة متجهة لبيروت، صوت المذيع من الراديو الذي يخبر عن آخر التحركات، ما دفع بالإدارة لبذل أقصى ما في وسعهم في تلك المدرسة لتأمين الطلبة وإشعارهم بالأمان.

مشهدان من فيلم "1982" - (ارشيفية)
اضافة اعلان


ما أراده المخرج وليد مؤنس هو نقل ذلك الشعور بمكافحة الانهيار من قبل المعلمين وتحقيق التوازن بين واجباتهم وعلاقاتهم الشخصية التي تتأثر وسط هذا التوتر، فتغدو المصحلة العامة أهم من الخاصة بكثير، وتصبح التضحية بالنفس أمرا عاديا في ظل الظروف المحيطة.
لا يمكن إنكار حضور الطفل وسام أمام الشاشة، وأيضا دور لبكي وراء الكاميرا بعيدا عن كونها مخرجة، فهي الرزينة الحساسة، المنطقية والتي تبذل جهدا كبيرا للبقاء هادئة وسط الأطفال، مع أحداث تظهر مع حبيبها بسبب آرائه السياسية، وشقيقها المتمرد، وكيف تدير عواطفها في التعامل مع خوف أمها ومرض والدها في أصعب اللحظات، محققة وزنا دراميا في الفيلم.
"1982" يُظهر الانقسامات السياسية، ومن خلال التوتر الذي يطال أجواء الفيلم فهنالك أطراف متنازعة بين بيروت الشرقية والغربية في ذلك الوقت، والحواجز الأمنية الكثيرة التي ترتبط بصورة المناخ السياسي في لبنان والتي تشهد حاليا احتجاجات كبيرة ومظاهرات.
بطولة يافعة
اختار المخرج وليد مؤنس أن تكون بطولة فيلمه لأطفال، في مدرسة كان قد درس فيها تقع في منطقة برمانة في جبال مشرفة على بيروت، وخضعوا لتدريب كي يتمكنوا من التعامل مع الكاميرا بحيوية بأدوارهم الأساسية.
الفيلم يسير في خطين متوازيين، وهي علاقة ياسمين بجوزيف وعلاقة وسام بجوانا، وعلاقة المحيط كاملا مع العدو ومع الواقع السياسي، فالأطفال يتعاملون مع الأشياء بمنظور البراءة والإنسانية، في حين يفقد البالغون تلك البراءة، فالحرب تعني هنا أن يفترق الأحبة بين الحواجز ويضيع الشغف من خلف الاختلافات والشقاقات السياسية.
وبين الخوف من عدم التقاء الأهل معا واشتداد ذروة الحصار النفسي وحتى العسكري، وتأزم الموقف في عودة الطلبة لبيت ذويهم، يبقى وسام وجوانا في المدرسة؛ حيث تلعب مخيلتهما دورا كبيرا للهرب من الخوف، فمخيلة وسام تظهر بطولة خارقة، لرجل آلي ضخم يشبه جرندايز، الذي يأتي لحماية بيروت وما حولها من نيران العدو بحاجز غير مرئي يصد كل الهجمات.
ما وضعه وليد مؤنس في فيلمه من خلال التعامل مع الأطفال، يعكس امتلاكهم فهما كاملا للوضع الحاصل في تلك الفترة وحتى اليوم، ويفهمون أن ما يحصل يغير حياتهم للأبد وأيضا يعرفون أنه سيوقظ رغبتهم في التغيير بخلاف البالغين الذي ينغلقون على أنفسهم تدريجيا، في مثل تلك الظروف.
"1982"، فيلم يحمل نظرة حساسة عن تعقديات الحب والحرب، فمنظور الطفولة للأمور يحمل أفقا أوسع، في حين أن البراءة تفقد وجودها في مرحلة البلوغ، وتبقى الطفولة مرآة لمرونة الروح والإنسانية والأحلام.