فيينا.. وخياران عربيان

عاصفة من ردود الفعل العربية، المستاءة أو المستنكرة مباشرة، للاتفاق التاريخي بين إيران والدول الكبرى، هبت منذ ما قبل توقيع الاتفاق أول من أمس في فيينا. وربما بخلاف الموقف الإسرائيلي، أو الأميركي الداخلي المعارض للتسوية مع إيران، فإن معارضة الاتفاق عربيا، لم تنطلق أساسا من الخشية من امتلاك إيران للسلاح النووي، بل من تطبيع الولايات المتحدة والغرب لعلاقاته مع هذه الدولة، وبالتالي الخشية من تأثير ذلك على تقوية موقفها ونفوذها في المنطقة العربية والإقليم. الأزمات السورية والعراقية واليمنية واللبنانية، كانت الخلفية الرئيسة لتقييم الاتفاق النووي الإيراني-الغربي، واتخاذ الموقف منه عربيا، وتحديدا من قبل المحور السعودي الخليجي المصري وفضاءاته العربية. وهو أمر يبدو مفهوما وطبيعيا، فقصة القنبلة النووية قد تكون في آخر أولويات واهتمامات الدول العربية، لكن الانفتاح الغربي على إيران ورفع الحصار عنها، وتعزيز قوة اقتصادها، هو ما شكل الهاجس العربي الأساس، على اعتبار أن ذلك يزيد من قوة ونفوذ إيران، ويعزز أوراق القوة في يدها في الصراع مع الكتلة العربية التي تناصبها العداء والصراع. اضافة اعلان
لا شك في أن الاتفاق الأخير يشكل نقطة تحول استراتيجية في خريطة التحالفات وموازين القوى في الإقليم. ولا تبدو الإدارة الأميركية والغرب، وبالطبع روسيا والصين، مستعدة للسماح لأي طرف داخلي أو خارجي، بإفشال وإسقاط الاتفاق مع إيران. وبالتالي فإن نقطة التحول الاستراتيجية هذه ستأخذ مداها، وستكون بلا شك مفتوحة على توافقات وحوارات أخرى، تطال ملفات سياسية وأزمات أوسع من الملف النووي ورفع الحصار الاقتصادي عن إيران.
ما هي الخيارات أمام الدول العربية تجاه هذا التحول الاستراتيجي؟ مع الإقرار بأن العلاقة "الاستراتيجية" مع الولايات المتحدة والغرب، هي ثابت سعودي خليجي عربي، لا فكاك منه، وفق ثوابت ومحددات النظام السياسي العربي. الخيارات المطروحة، أو بالأحرى المتاحة، أمام هذا المحور العربي، تتعلق أساسا بالعلاقة مع إيران، وامتداداتها أو حلفائها في الإقليم، ولا يتوقع لها أن تمتد -اي هذه الخيارات- للعلاقة مع الغرب.
سؤال الخيارات أمام المحور العربي سيستحق سريعا، بعد انتهاء موجة الخطاب "العاطفي" الذي يعتب على الولايات المتحدة، والهجوم الإعلامي والسياسي على الخيار الاستراتيجي للغرب وأميركا تجاه ايران! لن نتوقع خطوات ثورية عربية، من قبيل التوجه لامتلاك الطاقة النووية عربيا، أو بناء كتلة عربية وازنة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، تحقق التوازن والردع مع إيران واسرائيل.
لتبقى الخيارات محصورة في نقاط الاشتباك وساحاته بين المحور السعودي العربي من جهة وبين إيران وحلفائها من جهة أخرى، أي في العراق وسورية واليمن ولبنان أساسا. خياران لا ثالث لهما أمام المحور العربي المناهض لإيران، فإما استمرار الصراع وحرب النفوذ معها، وبذات الأدوات من تسليح ودعم مالي وسياسي وإعلامي و"ديني/ طائفي" للجماعات والفصائل المعارضة لنفوذ إيران وحلفائها، وإما، وهو الخيار الثاني، البحث عن صفقة واتفاق تاريخي بين الطرفين، على غرار الاتفاق التاريخي بين الغرب وايران.     
على مدى السنوات الخمس الماضية، زجت إيران والمحور العربي المناهض لها، بكل أسلحتهما في الحرب، من رجال وسلاح ومال واعلام ودعاية وتحشيد ديني وطائفي، في مختلف ساحات الصراع والاشتباك، وكان أبرزها وأقساها في سورية. حصاد هذا الخيار ماثلة بوضوح أمامنا اليوم، دما وقتلا ولاجئين ونازحين، ودمارا للاقتصادات، وتقسيما للأوطان، واستحضارا لحروب وفتن التاريخ، وفتحا لباب التطهير الطائفي والديني والعرقي.
هل يمكن اليوم الاستمرار في تبنّي هذا الخيار؟ والذي يستنزف -واقعيا- الطرفين، ويضرب مصالحهما واستقرارهما، ويصب أيضا في صالح محاور إقليمية أخرى، تعادي، أو على الأقل تنازع، الطرفين، خاصة اسرائيل وتركيا، فيما لا يبدو هناك أفق او أمل لانتصار طرف على الآخر، بل هو الاستنزاف الطويل! ألم يحن وقت الخيار الثاني؟ خيار الحوار الاستراتيجي والبحث عن المصالح المشتركة، عبر تفكيك أزمات ونقاط الاشتباك. ألا مكان لـ"فيينا" عربية إيرانية؟!