ترجمات

في البرلمان الأوروبي، وكلاء متجولون لصالح إسرائيل

ناتالي جان دوتي* – (أوريان 21) 9 آذار (مارس) 2023
تحدثت قضيتا “قطر غيت” و”المغرب غيت” -أي الاتهامات المزعومة بفساد يرتبط بهاتين الدولتين في البرلمان الأوروبي- عن استراتيجيات تأثير مريبة يفترض أن الدولتين استخدمتاها في المؤسسة الأوروبية. ولكن، ماذا عن إسرائيل؟ هناك جماعات ضغط متسترة عدة تعمل في بروكسل لدعوة النواب الأوروبيين إلى زيارة إسرائيل، وتقوم بتمرير رسائل تتعارض مع السياسة الرسمية للاتحاد الأوروبي، خاصة بشأن المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو عمل فعال؛ حيث تأتي إسرائيل، سوية مع الهند، على رأس الوجهات المفضلة لأعضاء البرلمان الأوروبي.

  • * *
    يعد العضو الهولندي المحافظ في البرلمان الأوروبي، بيرت يان رويسن (51 عامًا)، الذي ينتمي إلى مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، من المؤيدين المتحمسين لإسرائيل، حيث لا يتوانى في إظهار دعمه المطلق لها على شبكات التواصل الاجتماعي بصخب كبير. ويدافع بيرت يان رويسن -وهو نائب رئيس وفد العلاقات مع إسرائيل في البرلمان الأوروبي- عن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية بصفة مطلقة، ويستعمل بشكل منهجي معجماً لغوياً متحيزاً، مثل حديثه عن “الإرهابيين” الفلسطينيين. لكن ما لا يُعرف في الساحة العامة هو أن هناك منظمة متسترة بعناية، مقرها واشنطن وتُدعى “مؤسسة حلفاء إسرائيل” Israel Allies Foundation -وهي غير مدرجة في سجل الشفافية في البرلمان الأوروبي وليست لها مكاتب في بروكسل- تكفلت بترتيب رحلتين إلى إسرائيل لهذا النائب الأوروبي، في كانون الأول (ديسمبر) 2019 وآذار (مارس) 2022. بل إن الأمر وصل بهذا النائب إلى حد زيارة المستوطنات الإسرائيلية في العام 2019، مع أنها غير مُعترف بها من قبل الاتحاد الأوروبي.
    “مؤسسة حلفاء إسرائيل” التي يرأسها ديف ويلدون، العضو السابق في الكونغرس الأميركي عن ولاية فلوريدا، هي منظمة للمسيحيين الإنجيليين الذين “يعتبرون دولة إسرائيل الحديثة تحقيقًا للوعود التنبؤية التي أعطاها الرب للشعب اليهودي بشأن ’أرض إسرائيل‘”، وهي توكل لنفسها مهمة “تثقيف وتمكين المشرّعين المؤيدين لإسرائيل”. ويا له من برنامج!
    “أهمية العلاقات الوثيقة بين أوروبا وإسرائيل”
    إذا كانت “مؤسسة حلفاء إسرائيل” غير ممثلة في بروكسل، فإن هناك ثلاث منظمات أخرى تتمتع بهذا التمثيل، وتقوم بانتظام بتمويل رحلات إلى إسرائيل لأعضاء البرلمان الأوروبي، وهي: شبكة القيادة الأوروبية “إيلنيت”ELNET- European Leadership Network، وهي أيضًا نشطة جدًا في فرنسا؛ ومعهد عبر الأطلسي Transatlantic Institute؛ و”بناي بريث أوروبا”. وعلى الرغم من أن هذه المنظمات الثلاث مستقلة رسميًا عن الحكومة الإسرائيلية، إلا أنها تدافع دائمًا عن سياساتها القائمة على اعتناق أجندة قومية واضحة. وتؤكد ذلك الأهداف المنشورة على مواقع الإنترنت الخاصة بكل منها. وتقول شبكة القيادة الأوروبية، “إيلنيت”، إنها “تجمع القادة الذين يؤمنون بأهمية العلاقات الوثيقة بين أوروبا وإسرائيل، على أساس القيم الديمقراطية المشتركة والمصالح المشتركة”. ومعهد عبر الأطلسي هو الفرع الأوروبي لـ”اللجنة اليهودية الأميركية” (AJC) المعروفة، ويقدم نفسه على أنه “أهم منظمة عالمية للدفاع عن حقوق اليهود”، وبأنه يهدف إلى “مكافحة معاداة السامية وجميع أشكال الكراهية وتعزيز موقع إسرائيل في العالم والدفاع عن القيم الديمقراطية”. ويتكفل فرع “مشروع التبادل للجنة اليهودية الأميركية”، AJC Interchange، بتنظيم الرحلات، خاصة لمعهد عبر الأطلسي.
    أخيرًا، تعد “بناي بريث” أقدم منظمة يهودية معروفة، وهي تدعي “محاربة معاداة السامية، وحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، وإنكار الهولوكوست”، مع “الدفاع عن مصالح إسرائيل”. وللتذكير، قامت بإطلاق حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في العام 2005 غالبية كبيرة من المجتمع المدني الفلسطيني، وهدفها هو دفع إسرائيل إلى الامتثال للقانون الدولي من خلال استخدام أساليب الضغط غير العنيفة. وهي حركة مستوحاة مباشرة من الحملات السلمية التي دعمت الكفاح ضد الفصل العنصري (أبارتايد) في جنوب افريقيا. ويدل وضع الحركة على قدم المساواة مع مكافحة معاداة السامية وإنكار الهولوكوست كثيرًا على برنامج المنظمة.
    إسرائيل على رأس الوجهات المفضلة لأعضاء البرلمان الأوروبي
    وفقًا لمعلومات مستقاة من تصريحات أعضاء البرلمان الأوروبي، يبدو أن هذه المنظمات الثلاث قد نظمت ست رحلات إلى إسرائيل لأعضاء البرلمان الأوروبي منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2019: ثلاث رحلات بواسطة شبكة القيادة الأوروبية (إيلنيت)، واثنتان بواسطة “مشروع التبادل للجنة اليهودية الأميركية”، وواحدة بواسطة “بناي بريث”. ويعد هذا أداءً لافتاً، حيث تميزت تلك الفترة باستحالة السفر طوال العام 2020، وجزء من العام 2021، بسبب انتشار جائحة “كوفيد 19”.
    في متابعتها لتداعيات فضيحة “قطر غيت” و”المغرب غيت” في البرلمان الأوروبي، نشرت صحيفة “لو سوار” البلجيكية يوم الاثنين، 13 شباط (فبراير) 2023، تحقيقًا معمقًا عن رحلات أعضاء البرلمان الأوروبي التي دفعت تكلفتها أطراف ثالثة. وقد ركز مقال بقلم بولين هوفمان على إسرائيل، باعتبارها الوجهة المفضلة لأعضاء البرلمان الأوروبي، إلى جانب الهند.
    من النادر ما تتم مناقشة نفوذ إسرائيل في البرلمان الأوروبي في الصحافة في سياق فضيحة “قطر غيت”، مع أن هذا التأثير حقيقي، كما سبق توضيحه في مقال بقلم غريغوري موزي، نشره موقع “أوريان 21” في كانون الثاني (يناير) 2019، وفيه تحليل لنشاط شبكات النفوذ الإسرائيلي في بروكسل.
    لإجراء تحقيقها، قامت جريدة “لوسوار” بفحص جميع إعلانات الرحلات الممولة من أطراف خارجية أعلن عنها أعضاء البرلمان الأوروبي. ومن بين 328 تصريح سفر تم تحليله، كانت إسرائيل وجهة 30 منها. وهكذا تم إهداء 115 ليلة لأعضاء البرلمان الأوروبي في فنادق فاخرة في إسرائيل.
    المستوطنات في برنامج الزيارات
    بغض النظر عن المقابلات المتنوعة مع محاورين من الحكومة الإسرائيلية وسياسيين، فإن أمن إسرائيل هو محور جميع برامج السفر. وهكذا، تتاح لأعضاء البرلمان الأوروبي فرصة زيارة الأنفاق التي بناها حزب الله على الحدود الشمالية مع لبنان، أو زيارة المنطقة المتاخمة لقطاع غزة. كما يقومون بجولات بطائرات مروحية إلى الحدود الإسرائيلية اللبنانية أو فوق القدس. كما يتلقون معلومات عن التهديد الإيراني أو تمويل الإرهاب. والمدهش أن مسألة أمن الشعب الفلسطيني الذي تقع مسؤوليته، بموجب القانون الدولي، على عاتق السلطة المحتلة، لا تُطرح أبدًا.
    الإشكالية أكبر بالنسبة لأجزاء برامج الرحلات التي تُعرّف البرلمانيين الأوروبيين بالحقائق الأمنية أو الاقتصادية للمستوطنات الإسرائيلية المقامة بشكل غير قانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وللتذكير، تم الاعتراف بأن المستوطنات تعد انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، وتعد جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، تضمنت الرحلتان اللتان نظمتهما اللجنة اليهودية الأميركية زيارات إلى مستوطنتين في الضفة الغربية، مستوطنة بدوئيل في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، ومستوطنة إفرات في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022.
    دعت “مؤسسة حلفاء إسرائيل” مع عضو البرلمان الأوروبي بيرت يان رويسن، 24 برلمانيًا دوليًا آخرين في كانون الأول (ديسمبر) 2019، لأنهم يدافعون عن “الحرب ضد حركة المقاطعة والوسم المعادي للسامية للمنتجات الإسرائيلية من يهودا والسامرة” (الاسم الذي تطلقه إسرائيل على الضفة الغربية). وكانت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي قد أكدت في 12 تشرين الثاني (نوفمبر)، أن وضع العلامات على منتجات المستوطنات أمر إلزامي للامتثال للقانون الأوروبي.
    يبدو أن المؤسسة المسيحية الإنجيلية تريد تجهيز المشاركين بأدوات تمكنهم من تشويه سمعة أي مبادرة سياسية من شأنها المساس بمصالح المستوطنين الإسرائيليين. فهي تأخذهم لمأدبة عشاء في مستوطنة بساغوت، التي تصدر النبيذ على وجه الخصوص إلى الاتحاد الأوروبي. كما حظي المشاركون بفرصة زيارة مستوطنة بركان الصناعية، الواقعة في شمال الضفة الغربية، والتي تعتمد تنميتها الاقتصادية جزئيًا على قدرتها على التصدير إلى الأسواق الأوروبية والأميركية. كما أتيحت لهم الفرصة للقاء يوسي داغان، زعيم مجلس شومرون الإقليمي، وهو مجلس يضم حوالي 30 مستوطنة في شمال الضفة الغربية. وفي نهاية المطاف، تمكن المشاركون من الاستفادة من إحاطة مع المحامي يوجين كونتوروفيتش، الذي تشكك نظرياته في مبدأ اعتبار الأراضي الفلسطينية محتلة.
    المشتركون في خط بروكسل – تل أبيب
    تشير الصحفية بولين هوفمان إلى أن تصاريح السفر الثلاثين إلى إسرائيل التي فحصتها جريدة “لوسوار” لا تغطي جميع الرحلات المهداة لأعضاء البرلمان الأوروبي في البلاد. ولاحظت أنه من بين 11 مشاركًا في رحلة شبكة القيادة الأوروبية (إيلنيت) في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، تم التبليغ عن خمسة منهم فقط. يبدو أن هذا الكشف أثار ردة فعل لدى بعضهم، مثلما هو حال الإستوني أندروس أنسيب (مجموعة تجديد أوروبا، وسط)، والسلوفينية ليودميلا نوفاك (حزب الشعب الأوروبي، يمين)، والبلغارية إيلينا يونشيفا (التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين)، والإسبانية إيسابيل بنخوميا (حزب الشعب الأوروبي)، الذين غيروا جميعهم بياناتهم خلال الأيام التي أعقبت نشر المقال في جريدة “لوسوار”. وحده الإسباني خوان إغناسيو سويدو ألفاريز، والسويدي ديفيد ليغا (وهما من حزب الشعب الأوروبي) لم يعلنا بعد عن الرحلة.
    إلى جانب بيرت يان رويسن المؤيد للمستوطنين، فإن السويدي ديفيد ليغا هو النائب الذي قام بأكبر عدد من الرحلات إلى إسرائيل، واحدة مع كل منظمة: في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 مع مشروع التبادل للجنة اليهودية الأميركية، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 مع شبكة القيادة الأوروبية (إيلنيت) -وهي الرحلة الوحيدة التي لم يصدر بيان بشأنها- وفي كانون الأول (ديسمبر) 2022 مع بناي بريث. يبدو أن رحلاته المتتالية سمحت له بإقامة اتصالات مميزة مع القادة الإسرائيليين، إذ ظهر مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ خلال زيارة الأخير للبرلمان الأوروبي في نهاية كانون الثاني (يناير) 2023.
    وهناك مسافر كبير آخر، هو أنطونيو لوبيز-استوريز وايت (حزب الشعب الأوروبي)، قام أيضًا بثلاث رحلات إلى إسرائيل خلال عام واحد (تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، أيار (مايو) وتشرين الثاني (نوفمبر) 2022)، وكان ذلك في كل مرة بدعوة من شبكة القيادة الأوروبية بالتنسيق مع اللجنة اليهودية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022. وهو اشتراك حقيقي! وقد يبرّر دورُه كرئيس لوفد البرلمان الأوروبي للعلاقات مع إسرائيل ذلك، غير أن دور رئيس الوفد مع دولة أخرى لا يشمل في المقابل أن تكون مدافعًا شرسًا عنها، كما هو حال أنطونيو لوبيز استوريز وايت (حزب الشعب الأوروبي)، وتمامًا مثل ما كان عليه الرئيس السابق للوفد (2014-2019) فولفيو مارتوشييلو (حزب الشعب الأوروبي)، واللذان يتخذان بشكل منهجي مواقف موالية لإسرائيل في عملهما في البرلمان. يشهد على ذلك تدخل لوبيز استوريز وايت خلال مناقشة حول الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، حيث انتقد عضو البرلمان الأوروبي “هوساً غير صحي (من البرلمان الأوروبي) بالدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، أي إسرائيل”. أما بالنسبة لفولفيو مارتوشييلو، فإن تعليقه خلال مقابلة صحفية في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 بخصوص معارضة الاتحاد الأوروبي للهدم المخطط لقرية الخان الأحمر الفلسطينية جد بليغ: “لن يكون من الصواب أن يُصدر القادة الغربيون أحكاماً بشأن قضية داخلية، وعلينا أن نحترم سيادة دولة إسرائيل احتراماً كاملاً”. ويجب التذكير هنا بأن النقل القسري للسكان من طرف كيان محتل يمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي.
    برلمان أوروبي تحت التأثير
    يبدو أن هذه الرحلات تشكل فرصة لتغذية أعضاء البرلمان الأوروبي المقتنعين أصلاً، ولكن أيضًا لإشراك آخرين بشكل تدريجي. وإذا كانوا مهتمين ومُتَجَاوِبين، فقد يُعرض عليهم بعد ذلك الانضمام إلى مجموعة صداقة. وزعمت “شبكة أصدقاء إسرائيل الأوروبيين”، التي تأسست في العام 2006، بأنها تجمع كل مجموعات الصداقة مع إسرائيل، سواء كانت من البرلمانات الوطنية أو البرلمان الأوروبي. ولكن يبدو أنها توقفت عن العمل منذ ذلك الحين. وقد تم استبدالها، منذ تموز (يوليو) 2019، بـ”شبكة أصدقاء إسرائيل عبر الأطلسية” التي تفتخر اللجنة اليهودية الأميركية بإنشائها، والتي تضم 32 عضوًا من البرلمان الأوروبي، برئاسة النمساوي لوكاس ماندل (حزب الشعب الأوروبي).
    نجد في هذه الشبكة أيضًا كبار المسافرين؛ أي بيرت يان رويسن (المحافظون والإصلاحيون الأوروبيين) ودافيد ليغا (حزب الشعب الأوروبي)، إضافة إلى رئيسي وفد العلاقات مع إسرائيل في البرلمان الأوروبي، القديم والجديد، فولفيو مارتوشييلو ولوبيز استوريز وايت (حزب الشعب الأوروبي). كما نجد أيضًا نائبتين لرئيس البرلمان الأوروبي، وهما نيكولا بير (تجديد أوروبا) وبينا بيسيرنو (التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين). ويتفاخر معهد عبر الأطلسي بتأثير شبكته في البرلمان، لا سيما في تلك التغريدة التي أشاد فيها بمبادرة بيرت يان رويسن للمطالبة باشتراط ربط جزء من المساعدة الأوروبية للسلطة الفلسطينية بإزالة “الكتب المدرسية المعادية للسامية”. وقد أخذ اقتراح رويسن مكاناً في النقاش العام لميزانية الاتحاد الأوروبي، في حين أن مسألة الكتب المدرسية سبق وأن أسهمت في حجب المساعدات الأوروبية للسلطة الفلسطينية بين أيلول (سبتمبر) 2021 وحزيران (يونيو) 2022. مع أن دراسة أوكلتها المفوضية الأوروبية لمعهد جورج إيكرت دحضت مزاعم انتشار التحريض على الكراهية والعنف في الكتب المدرسية الفلسطينية، وقدّرت أنها تحترم معايير اليونسكو. وهكذا، بينما يتسع استيطان الأراضي الفلسطينية بخطا سريعة، ويزداد عنف المستوطنين -حيث كان العام 2022 الأكثر دموية بالنسبة للمدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية- فإن تركيز العديد من النواب الأوروبيين على هذه القضية يمثل بلا شك خلاصة لما يمكن أن يفعله النفوذ المؤيد لإسرائيل في البرلمان الأوروبي.
    الدفاع الصريح عن مصالح المستوطنين
    خلال الفترة التشريعية السابقة (2014-2019)، تم تأسيس مجموعة من “أصدقاء يهودا والسامرة” من قبل النائب التشيكي السابق بيتر ماخ، بالتعاون مع رئيس مجلس شومرون الإقليمي، يوسي داغان. وهكذا تم السماح لهذه المجموعة بالدفاع علانية عن مصالح المستوطنين الإسرائيليين في البرلمان الأوروبي. صحيح أن المجموعة لم تعد موجودة في نهاية الفترة التشريعية السابقة، إلا أن داغان ما يزال يُدعى إلى البرلمان الأوروبي من قبل أصدقائه في البرلمان الأوروبي. وهكذا نظم الداعمان الوفيان لإسرائيل -الهولندي بيرت فان رويسن والتشيكي توماس زيديتشوفسكي (حزب الشعب الأوروبي)- في 11 كانون الثاني (يناير) 2023 مؤتمراً في البرلمان الأوروبي بالتعاون مع مجلس شومرون الإقليمي لداغان، والذي حقق بالتالي عودة ملحوظة إلى بروكسل.
    ظهر على لافتة الحدث شعار “غولدن غيت للشؤون العامة” Golden Gate Public Affairs. كانت هذه المنظمة التي أسستها جيني أهارون -التي تقدم نفسها على “تويتر” كمستشارة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل- موضوعًا لتحقيق مؤخراً قام بإجرائه الموقع الإخباري البلجيكي “أباش”. وقد أبرز التقرير قدرة المنظمة على التأثير داخل البرلمان الأوروبي، وكذلك البرلمان البلجيكي. تتلقى جيني أهارون حاليًا تمويلاً من مجلس شومرون الإقليمي لداغان، وسابقاً من طرف “منتدى كوهيليت للسياسات”، وهو مركز أبحاث إسرائيلي قوي. لم تعد المعلومات التي تم العثور عليها في كانون الثاني (يناير) الماضي حول “غولدن غيت للشؤون العامة” متوفرة في سجل الشفافية بالبرلمان الأوروبي. ومن الصعب معرفة ما إذا كان هذا الاختفاء ناتجًا عن مقال “أباش” تحديداً، أم أنه مجرد موقف أكثر تسترا لجماعات الضغط، في زمن “قطر غيت” و”المغرب غيت”.
    شبكة للدفاع عن اتفاقيات أبراهام
    تتميز برامج الرحلات الأخيرة إلى إسرائيل التي نُظمت لأعضاء البرلمان الأوروبي، سواء من قبل “شبكة القيادة الأوروبية” أو اللجنة اليهودية الأميركية أو من “بناي بريث”، بسِمة مشتركة، وهي تنظيم جلسات إحاطة حول اتفاقيات أبراهام؛ أي اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين في آب (أغسطس) 2020، وقد تم استكمالها بعد بضعة أشهر باتفاق تطبيع بين إسرائيل والمغرب، وافقت عليه المملكة المغربية مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. وتشكل هذه الاتفاقات جزءاً من هجوم دبلوماسي إسرائيلي يهدف إلى تطبيع العلاقات مع جيرانها العرب، مع تجاهل مسألة حق الشعوب في تقرير المصير.
    ويبدو أن هذا الهجوم مدعوم من طرف بعض أعضاء البرلمان الأوروبي. فخلال مناقشة حول التداعيات الجيوسياسية لاتفاقيات أبراهام في البرلمان الأوروبي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، قال أنطونيو لوبيز-استوريز وايت إنه ممتن لدعم جوزيب بوريل القوي لهذه الاتفاقيات، لكنه أعرب أيضًا عن أسفه لكون 80 في المائة من خطاب الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية “يشير إلى المستوطنات والصراعات بين إسرائيل وفلسطين”. وخلال النقاش نفسه، اعتبر بيرت يان رويسن أن اتفاقيات أبراهام سلطت الضوء على حقيقة أن “أوروبا لا تلعب حاليًا أي دور مهم في عملية السلام”، وذلك لأنها “تواصل انتقاد إسرائيل من جانب واحد”.
    يبدو أن الرحلات إلى إسرائيل ألهمت آخرين. فقد كشف مقال نشره مؤخرًا الصحفي ديفيد كرونين، المتخصص في اللوبي المؤيد لإسرائيل في بروكسل، في مجلة الانتفاضة الإلكترونية، عن حالة من عدم الارتياح جراء إنشاء شبكة جديدة داخل البرلمان الأوروبي، وهي شبكة اتفاقات أبراهام. وسيرأس هذه الشبكة النائب الأوروبي السويدي كثير السفر إلى إسرائيل ديفيد ليغا. ويشير كرونين إلى أن ليغا “استلهم” فكرة إنشاء هذه الشبكة خلال إحدى رحلاته إلى إسرائيل. غير أن أجواء ما بعد “قطر غيت” لا تبدو مواتية لشبكات التأثير الأجنبية. فعلى الرغم من الإعلان عنها منذ كانون الأول (ديسمبر)، فإن انطلاقة شبكة اتفاقات أبراهام تأخرت. وردا على سؤال وجهه كرونين، يبدو أن مكتب روبرتا ميتسولا قد قام بمحو الحدث من جدول أعمال رئيسة البرلمان الأوروبي، على الرغم من أنه كان جزءًا من البرنامج. صحيح أن إطلاق هذه الشبكة في وقت تُزعم فيه محاربة التأثيرات الأجنبية داخل البرلمان قد يبدو غير متسق. فحتى وإن كان الأمر لا يتعلق بحقائب من الأوراق النقدية، يبدو أن فضيحة “قطر غيت” و”المغرب غيت” قد جعلت أساليب التأثير المؤيدة لإسرائيل أقل قبولًا، خاصة وأن الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي وحقوق الإنسان في تزايد وهي أكثر وضوحاً، إلى درجة أن العديد من منظمات حقوق الإنسان صارت تصفها اليوم بأنها جريمة فصل عنصري (أبارتايد).
    هل ستصمد السفريات وجماعات الضغط ومجموعات الصداقة المؤيدة لإسرائيل أمام الجهود التي يباشر بها البرلمان الأوروبي اليوم لتعزيز استقلاليته وشفافية عمله؟ ولكن قبل كل شيء، هل ستكون يوماً للبرلمان الأوروبي الشجاعة الكاملة للتعامل مع النفوذ الإسرائيلي داخله بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع التأثيرات القطرية والمغربية اليوم؟ نأمل ذلك.

*ناتالي جان دوتي: مسؤولة البحث والدعوة عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المركز الوطني للتعاون الإنمائي، بروكسل. ترجم المقال من الفرنسية حميد العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock