في التكامل والشقاق الاجتماعي

يؤشر التكامل الاجتماعي الممكن قياسه أو تقديره بمدى الفجوة بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية وفرص العمل والتعليم والرعاية الصحية والشعور بالرضا والثقة بالحكومة وأرقام الجريمة والانتحار والاكتئاب إلى النجاح أو الفشل على نحو رئيسي ومهم لا يقلّ في دلالاته وتأثيره عن مؤشرات التعليم والدخل والصحة، بل إنه يقيس الأداء الفعلي للأمم (الحكومات والمجتمعات والأسواق والأفراد) والنتائج الفعلية والإيجابية للتعليم والصحة والدخل؛ ففي المحصلة لا أهمية للأداء الاقتصادي والتعليمي والصحي إن لم يحقق التكامل الاجتماعي. ويكون التكامل الاجتماعي في مستوى متدن قد يفشل الجهود التنموية والديمقراطية والسياسية عندما تفقد الحكومة ثقة المواطنين ورضاهم أو عندما تتسع الفجوة بين المواطنين في الدخل والتنافس العادل على الفرص والأعمال والاستفادة من الإنفاق العام والخدمات الأساسية التي تديرها وتنظمها الحكومة والأسواق. وبالطبع فإن وظيفة الحكومة أن تدير عمليات واسعة لبناء الثقة والمساواة وتقليل الفجوة بين المواطنين، لكن أسوأ ما يقع للعقد الاجتماعي عندما تدير السلطة الموارد العامة لصالح فئة قليلة من المواطنين أو عندما تميز بينهم في الفرص، وأسوأ من ذلك عندما تكون العمليات الاقتصادية والاجتماعية تكرس على نحو واقعي ضآلة فرص فئات من المواطنين والمحافظات أو تعظيم فرص فئة أخرى، وعلى سبيل المثال حين يكون هناك فرق في مستوى التعليم بين الفئات والمناطق فإن المستقبل يكرس واقعيا وعلى نحو يصعب علاجه فجوة واسعة في الأعمال والأسواق والقيادة وتوزيع منافع التنمية والديمقراطية. وكذلك الأمر بالنسبة للغذاء والصحة، فعندما ينشأ اطفال في بيئة اقتصادية واجتماعية لا توفر الغذاء الكافي والصحي فإن فرصهم تضيع وإلى الأبد في القدرة على التقدم التعليمي أو في العمل أو العمر المتوقع. وتتزايد مخاطر الفجوة الاجتماعية والاقتصادية اليوم مع تغير طبيعة العمل والأسواق؛ ما يقلل الفرص القليلة ابتداء للفقراء ومواطني المحافظات والمناطق التي لا تحظى بفرص كافية، ويؤثر على قدرتهم على المشاركة والاندماج السياسي والاقتصادي، بل وتفاقم الشعور بالتهميش والحرمان ثم السخط وعدم الثقة بالحكومة والقيادات الاجتماعية والسياسية، وفي ذلك تنشأ متوالية من الشرور؛ إذ تتضرر العمليات الانتخابية ولا تعود تعكس التفاعلات والجدالات الاجتماعية الحقيقية، ويتحول الفضاء العام إلى مجال للاحتكار والاستبعاد لفئات من المواطنين وزيادة الاستحواذ والهيمنة على القرارات والفرص لفئة أخرى. هكذا تتحول الديمقراطية إلى لعبة تزيد الفقراء فقرا وتزيد الأغنياء ثراء وتأثيرا. ثمة حاجة متزايدة اليوم لتطوير التعليم والتدريب بما يتيح لجميع المواطنين فرص الحصول على المهارات المعرفية والتكنولوجية المتقدمة والجديدة التي تتيح لهم القدرة على المشاركة في الأعمال المتغيرة، وحتى يستمر العقد الاجتماعي للأمة بالعمل والتأثير الفعال يجب أن يتكون لدى جميع المواطنين شعور بالإنصاف. لقد تجاوزت الأمم الناجحة فكرة الأمن مقابل الالتزام القانوني والولاء للسلطة، فالدول تلتزم أيضا بالإضافة إلى الأمن بمنظومة واسعة من الالتزامات والخدمات التي يجب توفيرها لجميع المواطنين بكفاءة وعدالة، ومن ثم فإن شرعية السلطة السياسية تتكرس بقدرتها على التوزيع العادل والمؤثر للموارد والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والاندماج والمشاركة والرضا الوطني والاجتماعي العام. يقع جزء كبير من الأزمة الاجتماعية والسياسية اليوم في سياق ما يعتقده المواطنون تراجعا في العقد الاجتماعي، وتتركز الاحتجاجات والجدالات في شبكات التواصل الاجتماعي على الشعور بالإنصاف، وسواء كانت مشاعر السخط والاحتجاج صحية أو خاطئة فإنه في المحصلة تشكل أزمة يجب أن تديرها الحكومة على النحو الذي يعيد الثقة والشعور بالإنصاف، ولسوء الحظ فإن الحل ليس إعلاميا، إذ لم يعد الإعلام الحكومي قادرا على العمل والتأثير. لكن أيضا هناك أسئلة وتحديات جديدة يجب مواجهتها بالنسبة للعقد الاجتماعي في سياق صعود العمل غير الرسمي وتغير طبيعة الأعمال والأسواق، وتغير طبيعة عمل الدولة ودورها وخاصة في خصخصة كثير من الخدمات والمؤسسات والاتجاه العملي بصمت ودون إعلان للتخلي عن التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.اضافة اعلان