في التنمّر الإلكتروني.. والنيابي أيضا!

ظاهرتان قديمتان جديدتان باتتا فاقعتين في الفترة الأخيرة، وتغطيان على المعارضة الحقيقية والمنتجة، بل وأحيانا تخسر أصحاب النقد والمعارضة الحقيقيين قضيتهم بوجه ما ينتقد ويهاجم من فساد واختلالات وتقصير في العمل العام. نتحدث هنا؛ وفي النوع الأول عن ما بات يعرف بالتنمر الإلكتروني واستسهال "الطخ" والتشهير والاصطياد "على المليان والفاضي" لمسؤول أو نائب او أية شخصية عامة، دون مراعاة لحرمة شخصية وبلا تورع عن المس بالأعراض والأخلاق والامور الشخصية والعائلية، وكل ذلك يتم تحت مسمى معارضة ونقد للشأن والشخصية العامة وهما منه براء! السيدات، مسؤولات وشخصيات عامة وحتى مواطنات عاديات، هن أكثر من يتعرضن لمثل هذا التنمر، الذي بات يتوفر له فضاء إلكتروني واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي في ظل انتشارها شبه العام بين المواطنين. قضية النائبة فضية الديات التي تواجدت في لقاء رئيس الوزراء بمزارعي الاغوار الاثنين الماضي، كانت آخر مثال للتعرض وببشاعة لمثل هذا التنمر المسيء، الذي نتحدث عنه. هو تنمر وتهجم ورشق إساءات ولهو بأعراض وخصوصيات الناس ولا علاقة له بمعارضة او نقد عام، وقد لا يكون هذا مشكلة تستحق التوقف عندها هنا لولا أنها باتت في اتساع واضح، وصارت تستفز أعدادا متزايدة من المواطنين والنشطاء الواعين عبر مواقع التواصل. أما النوع الثاني من التنمر فهو أيضا قديم جديد، لكنه بات فاقعا ومستفزا بل ويخفي تحت يافطة المعارضة والنقد للمسؤول العام بحثا عن مصالح خاصة، أو تصفية حسابات لا علاقة لها بأداء او سياسة هذا المسؤول أو ذاك، ونتحدث هنا عن ما يمكن أن نسميه "تنمرا نيابيا" يتقنه نواب ضد هذا الوزير والمسؤول أو ذاك. آخر الشواهد على مثل هذا التنمر ما تعرض له وزير الاتصالات بجلسة النواب اول من امس، حيث يحرص نواب كلما "دقّ الكوز بالجرة" بـ"معايرة" هذا الوزير بماضيه المعارض، وكأنه سلبية وشتيمة! التنمر النيابي من بعض النواب لا يقف عند وزير الاتصالات بل يتعداه لغيره من الوزراء، وهو مسلك يختلف عن النقد والمساءلة والاحتجاج وحتى التشهير بتقصير او بسياسة او قرار يختلف معه النائب، مما يعد حقا دستوريا بل ومطلوبا من النائب ممارسته حتى لو تعسف فيه أحيانا حرصا على المصلحة العامة وعلى حقوق الناس. إلا أن ما يمارس عبر التنمر النيابي هو بحث عن الشعبوية أحيانا، او حتى عن مصالح ضيقة أو تصفية لحسابات او كنوع من الابتزاز، وذلك باصطياد كلمة او هنة هنا او هناك للمسؤول، للهجوم الصاعق عليه، والتشهير حتى ربما بلون شعره. المتضرر الأكبر من انتشار هذين النوعين من التنمر هو خطاب المعارضة والنقد الحقيقي، الذي يحمل رسالة تعرية الفساد والتقصير الذي يقع به المسؤول أو الحكومة، وهو أيضا مصالح الناس الحقيقية؛ حيث بات التهرب من المواجهة او الظهور الاعلامي او اتخاذ القرار منجاة للعديد من المسؤولين والوزراء لئلا يقعوا، حتى لو أصابوا بقرار ما، تحت سطوة التنمر الإلكتروني وفتح جبهات من النقد والشتائم عليهم. بل وبات التنمر الإلكتروني بابا للتوظيف والاستغلال من قبل سياسيين وغيرهم، ممن يلقون أحيانا المدخل لما بات يسمى "الذباب الإلكتروني" ضد هذه الشخصية او المؤسسة او تلك، لتبدأ حفلة الردح و"الطخ"، التي ينجر إليها الكثير من رواد مواقع التواصل دون تمييز او تروّي أو تدقيق بما وراء الحملة، ورغم ما فيها من حرف للناس عن الاهتمامات الاساسية لهم!اضافة اعلان