في الحب والكراهية


     من مشاكلنا كعرب ـ ضمن منظومة ثقافية عربية متواترة ـ أننا نميل إلى التصنيف والفئوية في أي شيء يتعلق بحياتنا، ومن ذلك أن نكون مع كذا لأننا ضد كذا، دون أن نبحث مليا وبعقلانية عن كذا ثالثة، لا هي مع هذا ولا ذاك!!
هل يحتاج الأمر الى شرح وتفسير؟ فليكن.

اضافة اعلان

أسامة بن لادن، قبل أحداث ايلول لم يكن بطلا شعبيا، بل كان مقاتلا شعبيته مقتصرة على السلفيين المنتهجين نهجه، بمعنى آخر، أتباعه فقط، ولم تتجاوز (كاريزميته) مستوى ما وصل إليه مؤسس مؤسسة الأفغان العرب، عبدالله عزام في الثمانينيات.

     لكن بعد أحداث سبتمبر، ولأننا نكره سياسات أميركا تجاه قضايانا، وقـــبل أن يثبت ضلوع بن لادن في ما حدث في ذلك الايلول الأسود، فقد ارتفعت أسهم الشيخ القابع في كهوف أفغانستان، ليصبح بطلا شعبيا، ولم نكلف أنفسنا عناء دراسة ما يدعو إليه الرجل، ولا أيدولوجيته السياسية التي ألصقها بالدين، ولأنه صار بطلا شعبيا، فإن ما يدعو إليه سيدخل في خانة المقدس فورا، دون تمحيص وتدقيق وقراءة عقلانية، وتزداد شعبيته البطولية في مخيلتنا، ويزداد عداء أميركا له، وبتعصب هـــنا يقابله تعصب أشد هناك، نفقد المنطقة الرمادية بيننا وبينهم، والتي يمكن فيها أن نجلس ونتحدث، ويضيع العقل في وجه عواصف التعصب الأعمى! وتغيب الحقائق عنا وعنهم، ويتربع المستفيدون من هذا النزاع على عروش مصالحهم، لتـــتدفق دولارات في حساباتهم، ويتدفق الدم في كل مكان ثمنا لكل هذا الجنون.

     فقط، لأننا نكره أميركا أحببنا بن لادن، وفقط لأننا نكره إسرائيل وأميركا احب بعضنا صدام حسين، وباتت له شعبية لا تقل عن بن لادن نفسه، وهما النقيضان اللذان لو انفرد أحدهما الآخر لمزقا بعضهما إربا، لكن من يهتم لذلك؟ المهم أنهما ضد أميركا! وهذه نقطة خلاف لا أحد يناقشها!

     ليس محبباً على النفس مشهد صدام حسين لحظة اعتقاله، فالرسالة الصورية التي بثها الأميركيون تحمل دلالاتها المهينة لنا جميعا، لكن هذا لا يعني أن الرجل كان ملاكا طاهرا، فهو بالغ راشد عاقل مسؤول عن كل أفعاله حين كانت السلطة في يده، ولو تم حذف 90 بالمائة مما ارتكبه باسم السلطة طوال عقود على افتراض أنها تجنٍ عليه، فإن ما تبقى كاف لتجريمه! لكن السؤال الأهم، تجريمه من قبل من بالضبط؟ هذه نقطة خلاف تستحق المناقشة!

فلنفكر قليلا، ماذا لو افترضنا أن بن لادن أقام دولته التي يحلم بها في مجتمعاتنا، وبصراحة، هل يمكن أن نقبل عقوبات الجلد على طول اللحى، أو نقبل ـ إغلاق مدارس الإناث وتجهيلهن، وهي حالة أخرى مستحدثة لعملية الوأد التي أنكرها الإسلام؟ وهل نقبل بتغيير مقاسات كل تفاصيل حياتنا لتناسب تفسيرات رهط من المتشددين فقط لأنهم يكرهون أميركا وأميركا تكرههم؟

    من جهة أخرى..  هل نقبل بحكم الحديد والنار الذي حكم به صدام حسين العراق طوال عقود، ونقبل بقطع الآذان بقرار رسمي عقابا على مخالفات غير جرمية ـ أو حتى جرمية ـ فقط لأن الرجل هدد بحرق نصف إسرائيل؟ أو أنه كان عدو أميركا الأول؟

أميركا تصنعهم أصدقاء ثم تصنعهم أعداء، ونحن في غفلة تاريخية يصيبنا الهياج، ونغيّب العقل، والعقل يقول إن كل الأطراف (بن لادن، صدام، شارون، بوش وإدارته المتطرفة) كلهم خطر على أمننا القومي والأممي، وهناك حاجة ماسة في اللحظة الراهنة لكي نتوقف مليا ونفكر، فقط نفكر.
[email protected]