في الطريق إلى القائمة الوطنية

اطلق طرح الحكومة لمشروع قانون الانتخاب الجديد نقاشا وحراكا سياسيين واسعين، حركا المياه الراكدة في الشارع السياسي. هذا الأمر كان متوقعا نظرا لاهمية ومحورية قانون الانتخاب في الحياة السياسية والعملية الإصلاحية، وهي أهمية تقترب وتوازي اهمية التعديلات الدستورية، فيما لا يتوقع لهذا الحراك والنقاش حول القانون التوقف قبل اكتمال نضوجه وإقراره في مجلس الامة خلال الدورة العادية المقبلة.  اللافت أن هذا المشروع، بتعديله اساس النظام الانتخابي، أشاع اجواء ايجابية لم تتوفر لغيره من قوانين الانتخاب المعدلة السابقة، منذ اعتماد نظام "الصوت الواحد" محورا لهذا القانون، والبدء بتطبيقه العام 1993، ما ضرب الحياة البرلمانية والسياسية في مقتل، وخلف تشوهات سياسية واجتماعية عميقة، انعكست على مجمل جوانب إدارة الشؤون العامة وصناعة القرار. وبدا أن الساحة السياسية كانت متعطشة لدخول مرحلة تجاوز "الصوت الواحد"، والتأسيس لمرحلة جديدة في تشكيل مطبخ السياسات الأردنية، الذي يمثله مجلس النواب، كما يفترض. اضافة اعلان
يجهد وزير الشؤون السياسية والبرلمانية د. خالد الكلالدة، في الدفاع عن مشروع القانون، ويخوض بصورة شبه يومية اشتباكا إيجابيا مع الأحزاب والقوى السياسية، في نقاش وحوار مفتوحين حول القانون وتعديلاته، ويسجل للوزير أنه بات المحامي الرئيس للمشروع، يكاد لا يخلو يوم من تصريحاته وشروحاته حول القانون وتعديلاته الجوهرية.  وبانتظار بدء اللجنة القانونية في مجلس النواب لحواراتها ولقاءاتها مع الفعاليات الحزبية والسياسية والمجتمعية، حول القانون، فإن رصد خريطة ردود الفعل والمواقف تجاهه، يشير إلى تباين وتنوع في هذه المواقف بصورة عامة، تستند أساسا إلى تنوع التصنيفات السياسية للقوى والمكونات المجتمعية والسياسية، إلا أن الخط العام يصب في النظر إيجابيا للتعديلات التي احتواها المشروع، تحديدا بتجاوزه عقدة "الصوت الواحد"، واعتماده القائمة النسبية المفتوحة على مستوى الدائرة/ المحافظة.  وإذا كان المراقب يرى أن التيار المحافظ، الذي سيطر على صناعة القرار في العقدين الماضيين، لن يقبل بتمرير التعديلات الجذرية على قانون الانتخاب، ومغادرة مربع "الصوت الواحد"، إلا بتوفر إرادة سياسية عليا، تشير كل المعطيات إلى توفرها، فان التحفظ الرئيس الآخر على المشروع، يأتي اليوم من أحزاب سياسية، ترى أن التعديلات المدخلة على القانون لا ترتقي إلى مرحلة دعم الحياة الحزبية، ولا تشكل الكتل النيابية على أسس حزبية برامجية.  التحفظ الرئيس لهذه الأحزاب ينصب أساسا على إلغاء القائمة الوطنية، على اعتبار أن هذه القائمة يمكن أن تدعم الأحزاب في الانتخابات بالوصول إلى البرلمان. لكن هذا الرأي لا يلحظ أن تجربة القائمة الوطنية التي طبقت في القانون المعمول به حاليا، وفي انتخابات 2013، لم تكن إيجابية، ولا حتى مثمرة للعمل الحزبي، بل وأفرغت من مضمونها. غياب القائمة الوطنية يقابله اعتماد نظام القائمة النسبية المفتوحة على مستوى الدائرة/ المحافظة، وهو نظام يمكن له أن يدعم الأحزاب وحضورها في البرلمان، إذا ما استغل جيدا من قبل الأحزاب، عبر لجوئها إلى التحالف في تيارات سياسية حزبية واسعة، تخوض عبرها الانتخابات بقوائم وبرامج موحدة.
فكرة القائمة الوطنية سبيلا وحيدا للترشح في الانتخابات هي الفكرة الأمثل والأكثر تقدما للارتقاء بالحياة السياسية والبرلمانية، وهي مرحلة نتمنى الوصول إليها سريعا، لكنها قد تبدو صعبة التطبيق اليوم، لأسباب ذاتية لها علاقة بالأحزاب والقوى السياسية، وموضوعية لها علاقة بالمجتمع والطبقة السياسية وموازين القوى فيها. الاستغلال الجيد من قبل الأحزاب والتيارات السياسية للقائمة النسبية المفتوحة في الانتخابات المقبلة، يسهّل ويهيّئ للقفز في الانتخابات التي تليها أو التي بعدها إلى مرحلة جديدة من تطوير القانون، باعتماد صيغة القائمة الوطنية.