في المئوية الثانية.. الإصلاح عنوان المرحلة

نعيش في ظلال مناسبة عزيزة تتمثل بدخول دولتنا المئوية الثانية، كما نحتفل تزامنا بدخول شهر رمضان المبارك الذي صادف دخوله في ظلال احتفالاتنا بالمئوية الثانية، ولعل ما يعنيه شهر الصوم من أثر إيجابي على النفوس، يدفعنا لأن نأمل بأن تعاد علينا الذكريات والمناسبات وأردننا بألف خير وعافية وقد تكسرت على صخرته كل المؤامرات، ودخلنا معا بمرحلة بناء دولة قوية عمادها الإصلاح والمواطنة وسيادة القانون ونبذ أشكال المحسوبية والواسطة وتعظيم قوة القضاء والقانون.اضافة اعلان
ونحن نحتفل بالمئوية، علينا التفكير بجدية والبحث باجتهاد في طريقة الخروج من الدائرة التي وضعنا أنفسنا فيها والذهاب نحو إصلاح حقيقي أشار إليه جلالة الملك عبد الله الثاني في أوراقه النقاشية المختلفة، فنحن علينا أن نقتنع قولا وفعلا، وكما قال جلالته، بأن المستقبل يقوم على الإصلاح، وهذا لا يتأتى إلا من خلال دولة مؤسسات وقانون، دولة تسود فيها حرية الفكر والمعتقد والرأي، دولة تضمن حق التعليم والصحة لكل أبنائها دون استثناء، دولة لا تعتمد المناطقية أو الجغرافيا في التعامل مع الناس وإنما تعتمد القانون كرؤية وأساس للحكم بين أفراد المجتمع.
نعم نريد دخول مئوية مختلفة، مئوية نقول فيها ونعلن من خلالها بقناعة أننا نريد دولة، دولة عمادها سيادة القانون، ونريد إصلاحا مبنيا على برلمان قوي ممثل للأحزاب، ونريد أحزابا قوية تشارك في الحكم، ومن خلالها تشكل الحكومات، نريد شكلا مختلفا وإطارا جديدا، ورؤية واضحة ودولة نظامها الإداري قوي، وبرلمانها مختلف، وحكومتها تراقب من قبل البرلمان ويختارها النواب ويحجبون الثقة عنها ممثلو الناس تحت القبة.
نعي أن المرحلة مختلفة، ونعرف أن ذلك يتطلب رؤية جديدة وشكل تعامل غير مسبوق، وحتى نبقى أقوياء أشداء علينا قراءة الماضي حتى نفهم الحاضر والمستقبل، علينا أن نستذكر التواريخ حتى نكتب سفرا جديدا مختلفا، نقرأ ما بين السطور حتى نستطيع أن نفهم الأمور بكل مجرياتها.
مئويتنا الأولى كانت صعبة بكل المقاييس، ولكننا استطعنا أن نعبرها، ونصل للثانية بقدرة واقتدار، فقد استطعنا أن نبقى رغم كل الظروف التي عصفت، والتي شهدنا فيها انهيار إمبراطورية هي العثمانية، وحدثت في سنيها حرب عالمية ثانية، وفي بدايتها تم إعادة تشكيل المنطقة في مؤتمر سان ريمو، وفيها توسعت الهجرة لفلسطين وانهزم المحور وغابت شمس بريطانيا وفرنسا وبزغت شمس الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (روسيا حاليا)، وفيها ضاعت فلسطين، وحصل العدوان الثلاثي، وضاعت القدس واغتصبت، وفيها اجتاح الكيان الصهيوني لبنان، وحصلت حربا العراق الأولى والثانية، وأزمة مضيق الخنازير، والحرب الإيرانية-العراقية، وسقطت مملكة فاروق في مصر وتشكلت الجمهورية، وفيها قام الكيان الصهيوني بمجازر لا متناهية وانتهاكات لا إنسانية، وفيها استخدمت قنابل ذرية ونووية في اليابان وعنقودية في العراق، وفيها مات رؤساء وصعد آخرون.
نعم هي مئوية صعبة وعبر سنيها جرت مئات الأحداث الكبرى، وآلاف الأحداث الصغرى، ولكن الأهم أننا ما نزال فيها، وها نحن نحتفل بمئوية دولتنا الأولى وندخل الثانية وكلنا عزيمة وتصميم، بأن ندخلها بشكل مختلف، ورؤية جديدة، حادينا أننا نريد لدولتنا الاستمرار مئوية بعد مئوية، ولذا لا بد من الإصلاح لأنه طريقنا لمواصلة الوجود، وطريقنا لنغير شكل تفكيرنا في المرحلة المقبلة ونبدأ بالتفكير بدعم الأحزاب وتهيئة ظروف مناسبة لها لكي تكون عنصرا فاعلا في المجتمع والوطن، أحزاب يكون لها وجود سياسي يبعدنا عن العشائرية والمناطقية والجغرافيا والديموغرافيا، فقد أنهكتنا وأثخنت فينا التقسيمات، وقد آن الأوان لنفكر بطريقة خارج الصندوق الذي اعتدنا أن نفكر فيه.