في حيرة من الأمر

لم أعد أفهم ما الذي جرى في عقول حكومات عربية ومسلمة حتى تصوت لإسرائيل أو تمتنع عن التصويت للسويد في انتخاب رئيس اللجنة القانونية للأمم المتحدة. لقد احترت في تفسير هذا الموقف المفاجئ؛ أهو نهاية عملية تحول سياسية طويلة كانت تجري تحت الطاولة بينها وبين إسرائيل، أم انقلاب؟اضافة اعلان
لقد طلبت النجدة لأفهم وأزيل حيرتي. وقد بدا الجنون على أحدهم من هذا التصويت لصالح إسرائيل، أو من الامتناع عن التصويت لأشرف وأرقى دولة في العالم، هي السويد التي تجرأت على الاعتراف بدولة فلسطين وناكفت إسرائيل التي لا تناكَف وتعرضت لسخطها. ومنهم من شعر بالخزي والعار من هذا التحول أو الانقلاب.
وفي تفسير هذا الموقف، قال بعضهم: لو صوت العرب للسويد، لحصلت على نحو عشرين أو اثنين وعشرين صوتاً زائداً عليها بعض الأصوات. أو لو صوت المسلمون لحصلت على نحو خمسين صوتاً زائداً عليها بعض الأصوات. لكن الطرفين عموماً إما امتنعا عن التصويت للسويد، أو صوتا لإسرائيل؛ إذ الامتناع عن التصويت للسويد من حيث النتيجة لا يختلف عن التصويت لإسرائيل.
وعلى الرغم من هذا التفسير، فقد بقيت في حيرة شديدة، لأن قضية فلسطين بهذه النتيجة صارت هي الظالمة (مع أن الدول العربية هي المسؤولة عن ضياع فلسطين مرتين: 1948 و1967، ولم تكفّر بعد عن هذا التضييع باسترجاعها)، وقضية إسرائيل هي العادلة، لأن التصويت لإسرائيل أو الامتناع عن التصويت للسويد يعني أن العرب والمسلمين عادوا إلى الرشد والهدى! فالوقوف ضدها ابتداءً كان ظلماً يجب أن يتم التكفير عنه، ومقاومة شعب فلسطين لها إرهاب.
ومما زاد في حيرتني انقلاب بقية الدول في العالم على فلسطين بالتصويت لإسرائيل أو بالامتناع عن التصويت للسويد، بعدما كانت تصوت كل عام لصالح قضية فلسطين.
ولما أفاق أحد الحضور من الصدمة قال: ظننت في البداية أنهم صوتوا لداعش (الإسلامية) وإذا بي اكتشف أنهم صوتوا لداعش الإسرائيلية. وقال آخر: بهذا التحول أو الانقلاب، تصبح إسرائيل هي الحليف المشترك وفلسطين هي العدو المشترك.
طالما كررت الاستشهاد بمقولة أحد المفكرين: إن التاريخ معلم أو درس جيد، لكن الطلبة الأغبياء يرسبون فيه. وعندما نفتش عن الراسبين فيه اليوم، لا نجد سوى العرب والمسلمين الذين لم يتعلموا من تاريخ أجدادهم في الأندلس الذين كانوا يتحالفون مع العدو الإسباني المشترك ضد بعضهم بعضا إلى أن قضى عليهم وطردهم منها. وهم يكررون الآن التحالف مع العدو المشترك، مما يجعل نهايتهم لا تختلف عن نهاية أجدادهم في الأندلس، فالمدخلات نفسها تؤدي إلى النتاجات نفسها.
لقد تنبأت إسرائيل بهذه النتيجة بكراس صدر بعد حرب حزيران (يونيو) 1967 بعنوان "الشرق الأوسط العام 2000"، جاء فيه -مثلاً- أنه حتى العام 2000، سيتم الصلح والسلام مع العرب والمسلمين، وسيحل الوئام بينهم وبين إسرائيل لدرجة أنك ستجد على جوانب شوارع عواصمهم لوحات إعلانية إسرائيلية مكتوب عليها: "زوروا إسرائيل".. "تعرفوا على الكيبوتسات". وللمزيد عن ذلك، راجع كتابي "خرج ولم يعد (العقل العربي)".