في رمضان.. تتداخل ساعات الليل والنهار

منى أبو صبح

عمان- "نهارهم ليل وليلهم نهار" بهذه الكلمات وصفت الموظفة رنا عبد الرازق (36 عاما) حال أبنائها في الشهر الفضيل؛ حيث يقضون أوقات السهر باللعب ومتابعة التلفاز لساعات الصباح الباكر، ثم يسارعون للنوم للحظات الأخيرة التي يعلن فيها أذان المغرب موعد الإفطار.
تقول عبد الرازق الأم لثلاثة أبناء "لدي عمل في الصباح، ولا أستطيع النوم جيدا بعد الانتهاء من وجبة السحور، بسبب تعالي أصواتهم وسهرهم برفقة والدهم، الذي اعتاد السهر".
وتمتد السهرات العائلية لدى العديد من الأسر حتى الصباح الباكر في شهر رمضان المبارك، حتى لا يشعر الجميع بالجوع، ومن أجل تعويض ساعات النوم التي فقدوها ليلا، يظل بعض الصائمين غارقين في النوم إلى أن يتم إيقاظهم عند تناول وجبة الإفطار.
وتشتكي الثلاثينية أم خالد أيضا، بقولها "جميع المهام والواجبات المنزلية تقع على عاتقي خلال الشهر الفضيل، فساعات النهار لديهم للنوم وليس للعمل".
وتضيف "حذرت أبنائي مرارا من سلوكهم هذا، فشهر رمضان المبارك للعبادة، وليس للامتناع عن الطعام والشراب فقط، كما أنني لاحظت مؤخرا تأثير السهر على أبنائي من خلال احمرار أعينهم، وقلة تركيزهم، أعتقد أنه بسبب عدم نومهم ليلا".
وانتقد الخمسيني أبو عاصم حال أبنائه أيضا في الشهر الفضيل، بقوله "شهر رمضان المبارك مميز عن باقي أشهر العام، ويجب أن نكثف عبادتنا وتقربنا إلى الله عز وجل، وليس الهروب من الجوع والعطش بالنوم كما يفعل غالبية أبناء هذا اليوم".
ويردف "يستيقظ أبنائي قبيل موعد الإفطار بساعة يقضون بها الصلوات، وما إن يأتي موعد أذان المغرب وينتهوا من تناول وجبة الإفطار، حتى يغادروا المنزل برفقة أصدقائهم، ويسهروا حتى ساعات متأخرة ليلا".
وتعتقد ربة المنزل أم صهيب أن سبب عصبية وسوء مزاج زوجها خلال الشهر الفضيل هو السهر لساعات طويلة ليلا.
وتقول "أبنائي الصغار يخلدون للنوم عند الساعة العاشرة ليلا، ومنه يستيقظون باكرا يقضون أوقاتهم في اللعب والمرح، مما يتسبب في إزعاجه وعدم استطاعته النوم كما يحلو له لدى عودته من العمل".
وعبرت الموظفة سمية فضلي عن استيائها من السهر لساعات طويلة ليلا، وقالت "أنا وزوجي وأبنائي ننام مبكرا في الأيام العادية وكذلك الحال في الشهر الفضيل، نقوم بضبط (المنبه) على وقت السحور، لكن المزعج في الأمر الأصوات المنبعثة من الجيران المجاورين لنا، فهم لا يأبهون براحة الآخرين".
وتضيف "لا نستطيع النوم بشكل جيد بسبب هذه الإزعاجات، ولدينا عمل في الصباح، ثم نعود لإنجاز المهام المنزلية إلى جانب تحضير الأطعمة لمائدة الإفطار، وعليه لا نستطيع النوم في النهار كما هو الحال لديهم".
اختصاصي علم النفس التربوي د. موسى مطارنة، يؤكد أن النوم في رمضان عملية بيولوجية؛ إذ يصبح لدى البعض عدم تنظيم للوقت في رمضان؛ فيصبح النوم في النهار والسهر في الليل"، مشيرا إلى أن للسهر ردات فعل وإرهاقا ينعكس بالتالي على القدرة والتحمل.
وهذا بدوره يؤثر، كما يقول، على الجهاز العصبي والقدرات الدفاعية وينجم عنها ردات فعل أحيانا مزعجة وسريعة وعصبية، وما يحدث ليس له علاقة بالسهر، بقدر ما له علاقة بالجانب السيكولوجي عند الأشخاص الذين بطبيعتهم أصلا عصبيون وليس لديهم قدرة عالية على التحمل، فتصبح ردات فعلهم بالصيام سريعة وعصبية.
ويبين مطارنة أن النوم مهم جدا ولا بد أخذ من الكفاية منه حتى يستطيع الإنسان الحصول على الطاقة الإيجابية الكافية، كي يتمكن من التعامل مع المعطيات المختلفة وبذل الطاقة اللازمة والجهد اللازم في إنجاز العمل وممارسة حياته، مؤكدا أهمية أخذ قسط كاف من النوم للكبار والصغار.
وشهر رمضان تحديدا، وفق مطارنة، يجب أن يؤخذ فيه قسط من النوم زائد على الأيام العادية، لكن هناك مبالغة لدى بعض المواطنين فنرى العديد منهم ينامون في ساعات النهار لحين مجيء موعد الإفطار، وآخرين يخرجون ساعتين أو ثلاثا ثم يعودون للنوم لوقت الإفطار أيضا.
ويذهب مطارنة إلى أن من يصوم ولديه ضعف في الإرادة، تصبح لديه ردات فعل مختلفة، ويجد لنفسه مبررات لأشياء وأفكار داخلية تجول بخاطره، مما ينجم عنها ردات الفعل العصبية التي نراها سائدة لدى البعض.
ويرى مطارنة أن شهر رمضان عند من يؤدي فريضته عن إيمان وقناعة من منظور اجتماعي نفسي وديني وأخلاقي متكامل، يكون أكثر هدوءا وروحانية وأكثر انسجاما مع الذات ومنظما لأوقات نومه، وهؤلاء الناس لديهم شخصيات متوازية إيجابية، وينظرون للصوم بأنه تهذيب وشهر صبر وتحمل يمنح الإنسان حالة من الروحانية والطمأنينة.

اضافة اعلان

[email protected]