في عمق النيل

يركب قارباً يسمونه "الفلوكة". يبحر امتارا في النيل.

يغرق في الصمت الذي عمّ. يلغي المباني. يحدق في اللا شيء. يغوص الى النفس التي سبرها أول مرة برفقة جوزيف كونراد في رحلته إلى "قلب الظلام".

اضافة اعلان

تختفي القاهرة. يعود الزمن دهراً الى حيث يستقبل النهر قرابينه.

تجلس هي بصمت في القارب. تسكن إلى عالمها أيضا.

فجأة تسأله عما يكمن في قلب النيل.

تموت اللحظة. تحيط المباني بضفة النهر. تعود القاهرة. يفقد النيل سحره.

فهذا زمن السطحية. العمق في عالم العرب احباط. ماء النيل ملوث. على ضفافه يسكن الفقر. في جواره العربي بؤس وقمع وتخلف.

مدنية تنهض على بقايا حضارة دمرت. سياسة من دون رؤى. قولٌ لا تثريه ثقافة. منظومة قيمية يشوهها الزيف والجهل.

السعادة لحظة مسروقة. الأمل طبع انساني. لكن اليأس نتاج راهن. والمستقبل أسير خوف.

الغرق في سكون النيل مهرب، راحة بال لا تدوم. يعود القارب الى مرفئه. يرفع بحّاره شراعه.

تختفي تدريجياً صورة الكوكا كولا التي توسطته. تغيب الشمس. تعج القاهرة بالحياة. ترتفع أصوات ملايينها. يعود عالم العرب الى المكان البائس الذي صاره بعد أن غاب الفكر وضحلت الثقافة وسُرقت الحرية.

يُخَزّنُ اللحظة في ذاكرته. يسيران في طريقهما.

يجيبها: في عمق النيل تلوث العصر. في مياهه دليل افتقار المدنية التي تَريْن الى الحضارة التي غلّفت اسطورة النيل بسحرها.

النيل مرآة لواقع العرب.