كورونا.."لقاح نفسي" لمكافحة الأخبار الكاذبة

2
2

إسراء الردايدة

عمان- اليوم، ومع تواجد 5 لقاحات لفيروس كورونا، تنتشر جماعات مناهضة للتلقيح عبر وسائط الإعلام الاجتماعية بشكل كبير، ومن المتوقع أن تؤثر بشكل كبير على الرأي العام، إذا تركت دون منازع.

اضافة اعلان

ولمواجهة تضليلهم في وقت نشر لقاحات "كوفيد 19"، أوجد علماء في جامعة كامبريدج ما يعرف بـ"اللقاح النفسي" الذي يساعد الناس على اكتشاف ومقاومة الخداع والأكاذيب التي يواجهونها على الإنترنت.


التقرير الذي نشر في موقع "the conversation"، قاده ساندر فان دير ليندن أستاذ علم النفس الاجتماعي، ومدير مختبر كامبريدج لصنع القرار الاجتماعي، والبروفيسيور جون روزنبيك المتخصص في علم النفس في جامعة كامبريدج أيضا.


في حين أعربت منظمة الصحة العالمية عن قلقها إزاء تضليل عالمي في شباط (فبراير) 2020، معترفة بأن وباء "كوفيد 19" سيتم مكافحته على أرض الواقع وعلى وسائل الإعلام الاجتماعية على حد سواء.

وذلك لأن نشر لقاح فعال سيعتمد على ثقة عالية في اللقاحات وإن التضليل المعلوماتي عن الفيروس يمكن أن يؤثر سلبا على تلك الثقة، ما يؤدي إلى تردد في أخذ اللقاح.


وكانت هنالك دراسة نشرت في 20 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي في مجلة "Royal society open science"، عن القابلية للتضليل بشأن وباء "كوفيد 19"، في جميع أنحاء العالم، ووجد البرفيسور جون روزنبيك والمشاركون في الدراسة أن المعلومات الخاطئة عن "كوفيد 19" تشكل تهديدا رئيسيا للصحة العامة.


ومن خلال دراسة مدى انتشار هذه المعلومات عبر مختلف البلدان، ودور الإيمان بهذه المعلومات الخاطئة في التنبؤ بالسلوكيات الصحية ذات الصلة.

وجد أنه على الرغم من أن الاعتقاد العام بأن المعلومات الخاطئة عن "كوفيد 19" ليست شائعة بشكل خاص، فإن نسبة كبيرة من المعلومات الخاطئة ترى أن هذا النوع من المعلومات الخاطئة موثوق به إلى حد كبير في كل بلد شملته الدراسة الاستقصائية.

كما وجد أن زيادة القابلية للتضليل تؤثر سلبا على امتثال الناس لما ورد في التقارير عن أنفسهم لتوجيهات الصحة العامة بشأن "كوفيد 19"، فضلا عن استعداد الناس للتطعيم ضد الفيروس والتوصية باللقاح للأصدقاء والأسرة المعرضين للخطر.

وفي جميع البلدان التي شملتها الدراسة الاستقصائية، وجد أن زيادة الثقة بالعلماء واكتساب مهارات حسابية أعلى كانت مرتبطة بانخفاض القابلية للتأثر بالتضليل المرتبط بالفيروس.


وتدل هذه النتائج مجتمعة على وجود صلة واضحة بين القابلية للتضليل والتردد في استخدام اللقاحات وانخفاض احتمالات الامتثال لتدابير التوجيه الصحي، وتشير إلى أن التدخلات الرامية إلى تحسين التفكير النقدي والثقة في العلوم قد تكون وسيلة واعدة للبحث في المستقبل.


وأعيد تأكيد هذه النتائج فيما بعد في دراسة لاحقة خلصت إلى وجود علاقة مهمة بين حملات المعلومات المضللة وانخفاض تغطية التطعيم.


ويشكل انتشار المعلومات الكاذبة عن "كورونا" خطرا كبيرا على نجاح حملات التلقيح، وعلى الصحة العامة عموما.
ولذا باتت الحاجة ملحة لتلقيح الناس ضد المعلومات الكاذبة، و"لقد استعرنا من منطق اللقاحات الواقعية لاستنارة نهجنا"، بحسب ما يقوله مؤلف الدراسة عن نهجهم.


في حين يبحث العلماء عن سبل للتخفيف من التضليل الإعلامي، فإنهم يواجهون العديد من التحديات: أولا، تبين أن الإشاعات تنتشر بسرعة أكبر وأعمق في الشبكات الاجتماعية مقارنة بالأخبار الأخرى، الأمر الذي يجعل من الصعب على التصحيحات (مثل التحقق من الحقائق) أن تصل إلى العدد نفسه من الناس باستمرار مثل المعلومات التضليلية الأصلية.


وثانياً، حتى عندما يتعرض شخص ما لفحص الحقائق، أظهرت الأبحاث أنه من غير المرجح أن تؤدي التصحيحات إلى إبطال الضرر الناجم عن التضليل، وهي ظاهرة تعرف باسم "التأثير المستمر"، وبعبارة أخرى، فإن نُهج مكافحة المعلومات المضللة "ما بعد التعرض" ربما تكون غير كافية.


ولذلك، ركز العمل في الأعوام الأخيرة على كيفية منع الناس من السقوط بسبب التضليل الإعلامي في المقام الأول، بالاستناد إلى إطار من علم النفس الاجتماعي المعروف باسم "نظرية التحصين".

المقاومة العقلية

اللقاحات النفسية مماثلة للقاحات الطبية؛ حيث إن تعريض شخص ما لجرعة شديدة الضعف من "الفيروس" (في هذه الحالة التضليل) يؤدي إلى إنتاج "الأجسام المضادة" العقلية، وبالتالي منح المقاومة النفسية ضد محاولات الإقناع غير المرغوب فيها في المستقبل.


ولكن بدلاً من "تطعيم" الناس ضد الأمثلة الفردية للتضليل، فإن منهج الدراسة يقوم على التركيز على الطرق الأكثر عمومية التي يتم بها تضليل الناس، كتقنيات التلاعب مثل استخدام لغة مفرطة العاطفة، وبناء نظريات المؤامرة، والشهادة الزائفة من الخبراء المزيفين.

وللقيام بذلك، طور الباحثون سلسلة من الألعاب على الإنترنت؛ حيث يتعلم اللاعبون كيف تعمل المعلومات المضللة من الداخل من خلال تشجيعهم على إنشاء أخبارهم المزيفة: الأخبار السيئة (عن المعلومات المضللة بشكل عام) Bad News Game.

ولعبة الأخبار السيئة هي مداخلة إخبارية وهمية حاصلة على جوائز متعددة تهدف إلى بناء مقاومة نفسية ضد المعلومات المضللة على الإنترنت.


وتستند اللعبة إلى نظرية التحصين النفسي؛ فكما أن التعرض لسلالة ضعيفة من العامل الممرض يؤدي إلى إنتاج أجسام مضادة لزراعة مناعة ضد الفيروس، فإن الشيء نفسه يمكن تحقيقه على نحو معقول من خلال المعلومات.


وعلى وجه التحديد، فإن اللعبة تحذر وتعرض اللاعبين لجرعات ضعيفة للغاية من الحالات التي تستخدم في إنتاج الأخبار المزيفة لتحفيز إنتاج "الأجسام المضادة العقلية" ضد المعلومات المضللة.


وهنالك أيضا لعبة الفيديو "ساحة هارموني" Breaking Harmony Square لمكافحة التضليل السياسي على الإنترنت، والتي طورها علماء النفس لكي تساعد المستخدمين على اكتشاف وتحليل الأخبار الزائفة.


وأنشأ باحثو جامعة كامبريدج لعبة Breaking Harmony Square بالشراكة مع وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الأمن الداخلي، وتكمن الفكرة في تعليم اللاعب اكتشاف "الأخبار الزائفة" من خلال السماح له بتقمص شخصية الشرير، ولعب دور كبير مسؤولي المعلومات المضللة في بلدة صغيرة خيالية.


وباستخدام تكتيكات مثل الروبوتات والتصيد ونشر المؤامرات، تُظهر اللعبة كيف تعمل تكتيكات التضليل في الحياة الواقعية باستخدام بلدة صغيرة كمثال..


فيما لعبة Go Virtual ومدتها 5 دقائق، تتعلق تحديداً بالمعلومات المضللة حول "كورونا".


وقد أظهرت الأبحاث أن الطريقة القوية لإثارة المقاومة للإقناع هي توعية الناس بأوجه ضعفهم. ومن خلال تلك الألعاب يتم تحذير اللاعبين مسبقا من مخاطر الأخبار المزيفة، وتشجيعهم على توليد أجسام مضادة خاصة بهم من خلال التعرض التدريجي لأمثلة ضعيفة من المعلومات المضللة في بيئة محاكية لوسائل الإعلام الاجتماعية.


وتم تقييم نجاح هذه المشاريع من قبل القائمين على الدراسة، ووجدوا أن لعب لعبة تضليل المعلومات يقلل من الموثوقية المتصورة للمعلومات المضللة (حتى ولو لم يكن المشاركون قد رأوا المعلومات المضللة من قبل)، ويزيد ثقة الناس بقدرتهم على تقييم موثوقية المعلومات المضللة في إعلامهم، ويقلل من رغبتهم في تبادل المعلومات الخاطئة مع أشخاص آخرين في شبكتهم. وأيضا فإن تأثيرات تلقيح أو تحصين مماثلة تُمنح عبر الثقافات واللغات.


ومن ثم تمت متابعة أثر تلك الألعاب، وكانت النتيجة هي أن الناس أكثر قدرة على تمييز تقنيات التلاعب في محتوى وسائل الإعلام الاجتماعية لمدة أسبوع واحد على الأقل بعد أن لعبوا لعبة "Bad News"، واستمرت هذه "الحصانة" لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، حيث يجري تقييم المشاركين على فترات منتظمة كل أسبوع.


وبالتالي، تشكل هذه الحوافز "طلقات دافعة"، وترفع حصانة الناس من التضليل عن طريق الاستمرار في المشاركة.

حصانة القطيع

ولكن لا يخلو الأمر من القيود على الرغم من أن هذه الألعاب قد لعبت أكثر من مليون مرة في جميع أنحاء العالم وشاركتها الحكومات، ومنظمة الصحة العالمية، والأمم المتحدة، فليس كل شخص مهتم بلعب لعبة على الإنترنت.


لكن اللعبة نفسها تمثل حلا فريدا كونها "إبرة افتراضية"، وسيتطلب وضع "برنامج عالمي للتحصين" ضد المعلومات الخاطئة ومجموعة من التدخلات المختلفة.

يتم العمل مع حاضنة التكنولوجيا في "جوجل جيجسو" (jigsaw)، والبروفيسور ستيفان لواندوسكي، لتطوير واختبار سلسلة من أشرطة فيديو التحصين المتحركة القصيرة. و"جيجسو" هي وحدة داخل جوجل التي تستكشف التهديدات للمجتمعات المفتوحة، وتبني التكنولوجيا التي تلهم الحلول القابلة للتطبيق.


ويتم البحث عن تدخلات ذات تأثير كبير؛ حيث يتم التركيز على مساعدة مجموعة محددة من الناس: صحفيون، أو مجتمع مدني، أو نشطاء، على سبيل المثال، كي يكون الإنترنت والمجتمع أقوى وأكثر أمانا للجميع.

وتتناول مجالات تركيزهم بعض أكثر التحديات تعقيدا التي تواجه المجتمعات المفتوحة.


مثل اللعبة، فإن هذه الفيديوهات تتقدم وتدير جرعة متناهية الصغر كتقنية التلاعب، التي تدفع المراقب إلى الكشف عن تقنيات مماثلة في المعلومات التي يستهلكونها لاحقا على الإنترنت. وستنشر النتائج عن فعالية التحصين عبر الفيديوهات في وقت لاحق هذا العام، بحسب موقع جامعة كامبريدج.


ومع استمرار الوباء في إشاعة الدمار في جميع أنحاء العالم، فإن نجاح انتشار اللقاح يكتسي أهمية حيوية للمجتمع العالمي.

ويشكل منع انتشار المعلومات الخاطئة عن الفيروس واللقاحات التي تم تطويرها ضده عنصرا حاسما في هذا الجهد.
وعلى الرغم من أنه ليس من الممكن تحصين الجميع ضد المعلومات المضللة على أساس دائم، إذا كان ما يكفي من الناس قد اكتسبوا مستوى كافيا من الحصانة النفسية للتضليل، فإن الأخبار المزيفة لن يكون لديها فرصة للانتشار على أوسع نطاق ممكن كما هو الحال حاليا.

وهذا من شأنه أن يساعد على وقف النمو المزعج للمشاعر المناهضة للتلقيح على شبكة الإنترنت.