في وداع عام غير جميل

حين ودّعنا العام 2013، كنّا نستبطن راحة غامضة، ونظن، جزافا، أننا تخلصنا من عام قاحل، أفنى أسبابا كثيرة للسعادة، وزاد منسوب الحزن والألم في نفوسنا، لندخل عاما جديدا في كل شيء، نحمّله أمنيات حقيقية في طور التحقّق.اضافة اعلان
لكننا لم نتوقع أبدا أن يأتينا عام آخر يكنس باقي الأمل من حياتنا، ويتسلل، كما اللصوص، في شرايينا ليقضي على آخر الأمنيات التي حملناها لطريق توهمناها طويلة ومشرقة ومورقة.
كل ما تخيلناه وما لم يخطر على بالنا، حدث في هذا العام غير الجميل.
خلال العام الذي نودّعه غير نادمين على شيء منه، زاد عدد اللصوص الذين يتآمرون على قوتنا اليومي وعلى كراريس أطفالنا ومساحات لعبهم البريئة، وعلى أحلامنا المتوهمة بعالم يسير كبندول الساعة السويسرية الأصلية.
سرقوا لهفتنا للبيت الدافئ الذي نزيّنه بالحبّ، ونعمّده بصورنا التي التقطناها على مدار أعوام اللهفة. أوقفوا مدافئنا كلها، وبقيت بيوتنا باردة بلا ساكنين، سوى من بقايانا التي نجرّها كل ليلة إلى حطام أشبه بمقصلة للغرباء.
زاد عدد اللصوص بلباسهم الأنيق الفاخر، وكلماتهم المعسولة والمغموسة بلعاب الثعابين؛ يبنون لنا من الرمال قصورا، يحلمون بحراثة البحر قوتا لأبنائنا.
.. وكنّا ساذجين، صدقنا وعودا ما كان ينبغي لنا أن نصدقها، ونحن نحمل أرواحنا الهشّة في طريق الجلجلة التي رسمها لنا سماسرة تاجروا بكل شيء؛ بماضينا، حاضرنا، وما تبقى من مستقبل متآكل لا تكاد تبين منه أي علامة. فعلّقونا في منتصف طريق غامضة غُصنا في أتونها بلا أي معين، ليطلبوا منّا بعدها أن نقوم من الأموات بلا معجزة.
في حسبة العام غير الجميل، هناك أيضا جوع كبير؛ كنّا نضطر إلى موائد اللئام من أجل أن نحوز ما تبقى من الفتات، ونستعين على الرماد بالصوم الاضطراري لكي لا تأكل الخسارات أرواحنا.
في حسبة العام، زاد عدد الجائعين، وتضاعفت مساحات مدن الفقراء، ولم يبقَ مكان لا تصرخ فيه الفجيعة، فيما اللامبالاة ترخي ظلالها على كل شيء؛ الأطفال الذين يحلمون بأبٍ يغطيهم من برد آخر الليل، والجياع الحالمين بكسرة خبز، والرجال الذين يذهبون إلى الحرب بلا رغبة حقيقية، والنساء اللواتي يتزيّنّ لرجال لن يعودوا من حربهم بعد أن غدوا مجرد أرقام في مقابر جماعية مجهولة المكان.
في حسبة العام، أنه زاد كل شيء، حتى احتمالات توسع الجامعة العربية العتيدة، وانضمام ثلاث دول أو أربع جديدة إلى قائمة المتعطلين عن القرارات والرغبة في حجز مكان لائق تحت شمس العالم.
وفيه أيضا.. طوى القلب جميع أمنياته، ولم يعد يحلم بجديد. ماتت الأحلام، وشرّشت الخيبات فيه، والانكسارات تعربشت على جدرانه. هكذا نودع عاما غير جميل. إنه عام الرمادة.