في وداع نجيب محفوظ: الأجيال الجديدة والقراءة

اطفالا كنّا نقرأ المجلات المصورة؛ وفي المرحلة الاعدادية انتقلنا الى ارسين لوبين، وشارلوك هولمز؛ وفي الثانوية أبحرنا مع روائع الأدب العالمي والعربي. لا اذكر انني كنت اشتري شيئا، فكتب المنفلوطي وجبران والسباعي والحكيم وعبدالقدّوس وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم كانت متوفرة في البيت على يدّ اخوتي الأكبر سنّا، وكان عليّ فقط كلما انهيت رواية ان انتقي اخرى. وسرعان ما بدأ نجيب محفوظ يحتلّ موقعه الأثير عندي.

اضافة اعلان

كان اسلوبه قد ترك كل الآخرين على مسافة بعيدة وراءه؛ تلك الشحنة الثقافية الغنيّة في السرد والحوار وتقديم الشخوص وعوالمها. وحتى الرسومات المرافقة للكتاب، والتي تلتقط مشهدا او آخر في الرواية، باتت جزءا يميّز رواياته. لقد أثرى محفوظ روحنا الثقافية في تلك الحقبة من نهاية الستينات ومطلع السبعينات بصورة رائعة.

في طريق العودة من ثانوية اربد، كان التوقف عند المكتبة الممتدّة على الرصيف محطّة اجبارية. وهناك تناولنا اول كتب انتقلنا بها من عالم الرواية الى الفلسفة، وكان قد بدأ يتألق نجم وجوديين مثل سارتر والبير كامو، لكن بقي محفوظ وحده في مجال الرواية من يتوجب ان نتلقف اي عمل جديد له. وربما في حينه كانت "أولاد حارتنا" آخر ما قرأت قبل ان نغادر الى بلاد الغربة، وما كان لنا ان نتخيّل ابدا ان هذا الكتاب سيكون، بعد ثلاثة عقود ونصف العقد، برسم المنع من الأسواق في مصر، في تجسيد للردّة الثقافية الكارثية التي منينا بها!

لكن لنضع جانبا الارتداد الثقافي المحزن قياسا بعصر التنوير العظيم الذي نشأنا معه في مطلع شبابنا، ولنسأل عن نشأة المثقفين الشباب هذه الأيام. هل يمرّون بالمسار نفسه؟ هل يقرأون الروايات البوليسية صغارا ثم نجيب محفوظ وغيره كبارا؟ هل يتكوّن "المثقفون" من الشباب الآن بالطريقة نفسها؟ هل كنّا نقرأ الروايات كثيرا لأنه لم يكن هناك تلفزيون؟ هل يستفيد الشباب "المثقفون" من الانترنت بطريقة مختلفة عن اقرانهم الذين يصرفون الساعات على "الشات" (Chat)؟

اريد ان أقترح استطلاعا واسعا للرأي، يقول لنا كيف يتكوّن المثقفون الشباب الآن قياسا بجيلنا الذي تكوّن على يد روايات مثل "ثرثرة فوق النيل" و"ميرامار".

[email protected]