قاطعوا دعائيي العدو..!

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعية في الآونة الأخيرة من أهم الطرق للتعبئة والتحشيد والتأثير ونشر الأفكار. وبقدر ما قد تكون هذه الوسائل مفيدة إذا كانت القضية التي تستفيد منها عادلة وخيّرة، فإنها يمكن أن تكون مدمّرة وشريرة بنفس المقدار على الأقل.اضافة اعلان
بطبيعة الحال، يكتسب المنشور على أي من هذه الوسائل أهمية ويُحدث التأثير المطلوب عندما يطلع أكبر عدد ممكن من المستخدمين على محتواه ويتفاعلون معه، بالإعجاب أو عدم الإعجاب، أو المشاركة أو التعليق وما شابه. ومن المؤسف حقا أن الفضاء الإلكتروني أتاح مساحة لمختلف أصحاب النوايا الشريرة لبث سمومهم والعبث بالرأي العام وإحداث انفصال عمودي وقطري في المجتمعات. وإذا كانت هذه المجتمعات مأزومة أصلا، كما هو حال بلداننا، فإن إساءة استخدام وسائل التواصل والتفاعل غير الواعي معها يعمق الأزمات فحسب.
من ذلك، على سبيل المثال، دعاية العدو الصهيوني التي تستهدف الجمهور العربي وتعمل بمخطط مدروس، كما هو شأن كل عناصر المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني الرامي إلى فرض نفسه على ثقافة المنطقة ومشهدها. ومن رؤوس الحربة في العنصر الدعاية، الناطق بلسان جيش الكيان، الذي يخاطب الجمهور العربي بالعربية. ويُعاضده مجموعة من «العرب» الذين أبرموا عقدا فاوستيا مع الشيطان، فاشتغلوا بالترويج للكيان وتطبيعه والتيئيس من مقاومته وشيطنة أعدائه. وهؤلاء طابور خامس خائنون لأوطانهم ومواطنيهم وأنفسهم، ويؤسسون بوضوح لهزيمة أمتهم أمام العدو.
الملفت أن هؤلاء يجدون جمهوراً كبيراً بين مستخدمي مواقع التواصل من العرب. وليست المسألة أن منشوراتهم تحوز الإعجاب والتجاوب، بل إن الغالبية الساحقة من التعليقات تستهدفهم بالازدراء والشتم والردود القاسية وعدم الإعجاب –كما هو متوقع من الجمهور العربي المدرك لتناقضه المركزي مع العدو.
وهذا يطرح السؤال: لماذا يصر ناطق العدو، ودعائيوه المحليون المستأجرون، على مواصلة النشر برغم كل السباب والرفض والتحقير التي يتلقونها؟ لو شارك إنسان طبيعي فكرة وكانت غالبية ردود الفعل عليه مزدرية، فإنه ربما يخجل ويتوقف عما يزاوله. لكن استمرار هؤلاء يخدم جملة من الغايات التي لا بد أنها لا تخفي على العقل الذي يديرهم.
ربما تكون من إحدى الفوائد للعدو هي قراءة الرأي العام العربي –نوعيته وأي تغيرات قد تطرأ عليه. وسوف تكون تعليقات مستخدمي وسائل التواصل العرب بمثابة بيانات قابلة للتحليل والتصنيف: من الذين يعلقون؛ ما هي نوعية التعليقات، وما محتواها وأي فئات هي التي تعلق وبماذا –من بين مؤشرات أخرى. وسوف تستخدم هذه البيانات في رسم السياسات وتطوير الدعاية.
وعلى الرغم من رد الفعل الساخط غالبا، فإن وصول صوت العدو إلى الجمهور العربي، ومخاطبته بلغته، يعمل أيضا على تطبيع هذا الصوت في مشهد المنطقة وحوارها ومكوناتها. إنه شيء من التطبيع النفسي، أشبه بجارك في الشقة العليا الذي يزعجك بالدق على سقفك، وتحتج ثم لا تلبث حتى تألف إزعاجه نفسه وتقبله كشيء مألوف تتعايش معه –إذا لم تستطع أن تجعله يرحل أو ترحل أنت.
وهناك احتمال، ولو قليل، لكسب أحد وتشويش أفكاره، خاصة من النوع المتردد أو الذي ليست له قضية، ويدفعه ضيقه إلى أي نوع من التطرف. هكذا يُجنَّد الجواسيس في نهاية المطاف؛ ومنهم «العرب» المدّاحون للكيان والمجتهدون في تطبيعه. ويجب أن يُوضع مع هؤلاء كل داع إلى ترويج الطائفية، أو التمييز الديني، أو الفتن الاجتماعية، أو الخزعبلات، أو إبراز الهويات الفئوية والتحشيد لأي شيء يناهض العقل العلمي والإنسانية والتضامن والعدالة.
ولماذا تستمع إلى الناطق بلسان العدو وبقية دعائييه؟ إنه إما سيغيظك، أو يتباهي بتحقيق انتصار عليك، أو يدعي لك ودا تعرف أنه غير صادق. إنه لا يمكن أن يريد لك خيرا من مخاطبته إياك، ويخاطبك حتما ليضرّك، لأن هذه هي وظيفته. وسيكون تفاعلك معه خدمة له ونجاحا لمسعاه فحسب.
من المنطقي، لإحباط عمل هؤلاء، أن لا يتابعهم أحد ولا يُعنى بما يقولون ويكتبون. وسوف يكون حتى الشتم وعدم الإعجاب دليلا على أن عملهم ينجح ويحقق ما أريد منه. لذلك، قاطع هؤلاء ولا تستسلم للفضول غير المحمود. لا تفتح مشاركاتهم، ولا تضع أي رد فعل عليها، ولا تُعلِّق. دع أصواتهم تتردد في آذانهم وحدهم. تجاهلهم. وسيكون ذلك جزءا مهما من مقاطعة العدو وإحباط مساعيه الشريرة.