قانون الانتخاب: "طبخة" برائحة الحكومة.. و"بهارات" استطلاعات الرأي لن تقنع المواطن بنكهته

أثار استطلاع الرأي، الذي أعلن عنه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الأسبوع الماضي، وأشار إلى ان 60 % من الأردنيين يفضلون نظام الصوت الواحد الانتخابي، موجة استياء لدى النخب السياسية والمراقبين والعاملين بالشأن العام، والمتحزبين بوجه خاص.اضافة اعلان
وما أثار استغراب البعض، توقيت وزمان ونتيجة ومرامي الاستطلاع، الذي رأى أن فيه توجيها معينا لأمر تريده الحكومة وجهات ضغط مؤثرة أخرى.
ويعتقد فريق "المنتقدين" أن "الاستطلاع" جاء ليقول للعاملين بالشأن العام والسياسي، ان ما قدمته الحكومة (صوتين للفرد وصوتا للقائمة الحزبية) في مشروع قانون الانتخاب، المحال إلى مجلس النواب، جيد، ويجب القبول به، ويشهر، في المقابل، "عصا" الاستطلاع في وجه من ينادي بنظام انتخاب مختلف عن الصوت الواحد، وعما جاءت به الحكومة.
بداية، لن أناقش النتيجة التي خرج بها الاستطلاع، ويمكن التسليم بأن تلك النتيجة صحيحة، بدون الالتفات إلى طريقة طرح السؤال، ودقته، والعينة المستطلعة، ومدى توجيهه (السؤال)، إذ إن كثيرا من الأسئلة تكون، في أحايين كثيرة، موجهة لخدمة نتيجة معينة.
دعونا نعترف أن المواطن الأردني لم ينتخب منذ العام 1993 إلا وفق نظام الصوت الواحد، وأن المرة الوحيدة التي انتخب فيها وفق القوائم المفتوحة كانت العام 1989، وقبلها انتخب العام 1956، بمعنى أن الناخب لم يجرب أو يختبر نظاما انتخابيا آخر، غير الصوت الواحد، وبالتالي فإن السؤال عن الأنظمة الانتخابية المفضلة، لا يستقيم هنا، فالناخب الأردني ليس على دراية كافية بالنظام النسبي أو بنظام القوائم، فضلا عن أن أجهزة الدولة المختلفة "شيطنت" القائمة النسبية في نظر المواطن العادي، وجعلتها كـ"البعبع"، الذي يجب عدم الاقتراب منه.
وحتى لا يخرج البعض للتصيد، ويزاود على الناخب، بالقول إنه يعرف ما يريد، ولا يجوز الجزم بعدم معرفته بالقائمة النسبية أو النظام المختلط، فتكفي الإشارة، هنا، إلى أن احد رؤساء الوزارات السابقين اعترف شخصيا بأن بعض الأنظمة الانتخابية، التي يجري الحديث عنها، لا يعرف عنها الكثير، كما أن الدوائر الوهمية التي جرى بموجبها انتخاب المجلس النيابي الحالي، يعترف الكثير من الساسة انه لم يستطع فهمها حتى الآن.
وفقا لكل ما سبق، فإن من حقنا، نحن معشر المتابعين والمراقبين، وبعد أن قدمت الحكومة مخرجها بشأن قانون ونظام الانتخاب، أن نسأل "سلطتنا التنفيذية": لماذا أرادت تقديم شكل مشوه لقانون الانتخاب، وعادت عن الكثير من الرؤى، التي سبق أن صرحت بها، بلسان رئيسها عون الخصاونة، حول النظام الانتخابي الأفضل، ومن يريد إقناعنا أن "الصوت الواحد" مطلب شعبي، وفق استطلاعات الرأي.
الخوف، أن الحكومة، التي بحثت عن ولايتها العامة منذ اليوم الأول لتشكيلها، عبر التصريحات العلنية، فقدت تلك الولاية، عند مناقشة قانون الانتخاب في الدوائر المغلقة والضيقة، ولم تستطع تمرير رؤيتها، حول النظام الانتخابي الأفضل. ليس هذا فحسب، بل ويبدو أن تلك الدوائر تغلبت على إرادة الحكومة.
وإذا قالت "سلطتنا التنفيذية" إن ما سبق غير صحيح، فعليها أن تقول لنا، وهي التي فتحت حوارات موسعة مع كل أطياف المجتمع (أحزاب معارضة ووسطية، وإسلامية وقومية ويسارية وشخصيات سياسية ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني)، من أين جاءت بنظامها الانتخابي، الذي أرسلته للنواب؟ والى أية الأفكار مالت، وشعرت أنها تحقق العدالة؟ ومن الجهة التي قدمت للحكومة الرؤية التي تبنتها في مشروع القانون؟
سيدي رئيس الوزراء، ما جاءت به الحكومة يمكن أن يكون خطوة متقدمة عن الصوت الواحد، ولكنه خطوة متأخرة لا تمكن من مواكبة ركب الإصلاح والتغيير، الذي طالما تحدثت عنه حكومتكم، إذ لا يجوز، عقد مقارنات بين حقبة وأخرى، كما لا يجوز "رهن" مصير إصلاحنا الداخلي بما يجري في المنطقة، وعند دول الجوار.
نريد لإصلاحنا أن يمر بشكله السلس، الذي يؤمن وصول شخصيات وازنة إلى قبة البرلمان، وتمثيل كل الأطياف، وبما لا يهضم حق طرف على حساب الآخر، ولا منطقة على حساب أخرى.
التوقف هنيهة يفيد، وإعادة النظر في المنتج المقدم قد يخلق حالة توافق عامة في المجتمع، ولا ضير أن يتم إعادة النظر في بعض المفاصل، التي جاءت في مشروع القانون، وعدم الاتكاء على أن المشروع ملك للمجلس النيابي، وانه يستطيع أن يحسن فيه ما يشاء.
أنبئك سيدي، أن مجلس النواب سيعيد مشروع القانون الى المربع الأول، والى الصوت الواحد، وان كل الحوارات الي سيفتحها، مهما توسعت، لن تكون قادرة على خلق رؤية مختلفة لدى النواب مما يريدونه من مشروع القانون.
سيدي، خرجت بحل وسط في النظام الانتخابي (هكذا قلت في مؤتمرك الصحفي)، ولكن يبدو أن الحكومة بعد ذلك ستلعب دور المتفرج، عندما يشرع مجلس النواب بمناقشة مشروع القانون، وستكون لأطراف أخرى كلمة الفصل.

[email protected]