قانون لـ "التواصل الاجتماعي"

لأن بيننا من يتشفى بالموت، ويستبيح أعراض الآخرين! لأن معنا من ينصّب نفسه قاضيا، ويطلق أحكامه البعيدة عن الأخلاق والمبادئ! ولأن من ينتهك خصوصيات الآخرين يعيش هنا بالقرب منا! ولأن البوابات باتت مشرعة على خطابات الكراهية وإثارة الفتن، وتعمد الإساءة والتجريح والتشهير.. فإن تصريح وزير الدولة لشؤون الإعلام الدكتور محمد المومني؛ بأن الحكومة بصدد إصدار تشريع خاص لوسائل التواصل الاجتماعي يهدف إلى تحديد المسؤولية وحماية الأمن المجتمعي، يكون ردا على كل هؤلاء، وقرارا بمكانه.اضافة اعلان
القانون الجديد سيحدد مسؤولية من يستخدم هذه الوسائل، والعقوبات بحق المستخدم المسيء؛ كإجراء تنظيمي يضع مسؤولية على شركات الاتصالات في معرفة أصحاب الحسابات المسيئة وإيقافها. فيكون الأردن بذلك أحد الرواد على مستوى العالم في هذا المجال.
كنا وما نزال ضد تقييد الحريات، وتكميم الأفواه، أو الحد من إبداء الرأي وحرية التعبير. لكن مع غياب الضوابط الذاتية، وقبل ذلك الأخلاقية والإنسانية، فقد بتنا نقف أمام ظاهرة “مرعبة” تتفشى كالسرطان، تحتاج منا محاربتها مبكراً، وإنزال أشد العقوبات بحق كل من يعتقد أنه “بطل” على مواقع التواصل. فينال بالقانون جزاء فعله، ويكون بذلك رادعا لآخرين.
إذ ما دام هناك أشخاص لا يستطعون فرض الرقابة الذاتية على أنفسهم، ويعتقدون أنهم من خلف شاشاتهم بإمكانهم تشويه العالم، وتهديد أمنه، فيحاربون من لا يتقاطع معهم بالآراء، ويجرّحون بأشد العبارات بشاعة من لا يتطابقون معهم، ويتقنون الإهانة، تكون محاسبة هؤلاء هي الأمر الصواب.
ندرك أن السيطرة على كتابات وتعليقات مئات الآلاف من الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، ليست بالأمر السهل، وربما لن نحقق النتائج المرجوة كافة. لكن العقاب لأحدهم سيكون رادعا لغيره، وهكذا حتى يتطهر المجتمع ممن لا يمتون للإنسانية بصلة.
في وقت مضى، كنا نعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي ستكون منارة حرة لتبادل الآراء، والعيش المشترك، وإثراء المحتوى، وطريقة للاستفادة من تجارب الغير، ونقد الآخر بأسلوب سليم يعكس ثقافتنا. غير أن العكس هو ما يحدث الآن؛ إذ أصبحت تلك المواقع منصات للكراهية والإيذاء النفسي والمعنوي، والانسلاخ عن كل الضوابط الاجتماعية.
وكثير جداً من هؤلاء الكارهين أبطال وهميون، إلا من تميزهم ببث سمومهم، معتقدين أنها تطغى على الآراء السليمة والمنطقية. والمشكلة هنا أن من يملكون آراء منصفة وموضوعية لا يكتبونها حينما يشعرون بالخيبة مما يقرأون، فيبقى صوت الفئة الأولى هو الأعلى للأسف.
علينا جميعا التصدي لهذه الظاهرة؛ أن نحاربها بآرائنا وأصواتنا وكتاباتنا، فتكون منابرنا مكانا لنشر ثقافة التسامح، فلا نسكت عن بشاعة قلوب دعاة الكراهية والفتنة، ولا ندع سمومهم تقتلنا!
لن ننسى “أبشع” التعليقات على ضحايا اعتداء اسطنبول في ليلة رأس السنة. والتي تضمنت إساءات واضحة لهم ولعائلاتهم. كان هناك تشف بالموت يظهر بشاعة أولئك المعلقين، بأن كشف عن أخلاقهم. لذلك، علينا أن ندعم قرار الحكومة بمعاقبة كل شخص يستخدم لغة الكراهية وفن الإهانة، فتكون منصات التواصل الاجتماعي مكانا نحافظ فيه على أمننا الاجتماعي.