قبل أن تتهرب الحكومة من مسؤولياتها

استبقت الحكومة، عبر مصادرها "المطلعة" وتسريباتها الصحفية، أمس صدور تقرير اللجنة النيابية المشتركة مع ديوان المحاسبة لدراسة أسباب ارتفاع فواتير الكهرباء عن شهري كانون الأول والثاني الماضيين، بالتأكيد على أنها –كحكومة- لن تكون ملزمة بتنفيذ توصيات اللجنة! هذا التبرؤ الحكومي المسبق والغريب من توصيات اللجنة وقبل صدورها رسميا انطلق – كما يبدو- من استشعار الحكومة أن اللجنة النيابية ستحمل شركات الكهرباء مسؤولية رفع قيم فواتيرها عن الشهرين المذكورين عبر تحميلها المواطن قيم الفاقد والقروض وفوائدها واحتسابها للتعرفة وفق معادلات غير عادلة للمواطن. مثل هذه النتيجة تستتبع بالضرورة توصية اللجنة بتعويض المتضررين عن فرق ارتفاع الفواتير، الأمر الذي لم يعجب الحكومة كما يبدو ودفعها للتبرؤ مسبقا من الالتزام بتنفيذ التوصيات. كان البعض يتهم الحكومة بالمماطلة بدراسة ملف ارتفاع اسعار الكهرباء والتعامل مع شكاوى المواطنين لعدة أسابيع، وأنها تتهرب من المسؤولية وتسعى فقط لاستيعاب النقمة الشعبية وشراء الوقت لتخفت المطالبات والاحتجاجات، لكن اليوم مع مثل هذا التبرؤ والتأكيد على عدم الزاميتها بتنفيذ التوصيات يثبت أن الحكومة بالفعل كانت تشتري وقتا وتراهن على مرور الأيام لتخفت الاحتجاجات والشكاوى وتذوب القضية كما عاصفة في فنجان! من المتوقع الآن أن تلجأ الحكومة لعادتها القديمة وتشتري مزيدا من الوقت والمماطلة، فهي ستطلب، بعد أن أعلنت اللجنة النيابية المشتركة تقريرها وتوصياتها أمام مجلس النواب، تسليمها التقرير رسميا لدراسته وإبداء الرأي فيه، وهذه عملية بيروقراطية قد تمتد لأسابيع أخرى، فيما الواضح بالنسبة لها وكما سربت مصادرها "المطلعة" ذاتها أنها لن تكون معنية بالالتزام بما يرد في التقرير من توصيات، خاصة فيما يتعلق بقصة التعويض للمتضررين. وحتى بعيدا عن قضية التعويض المالي المباشر للمتضررين من ارتفاع قيم الفواتير بصورة غير طبيعية، فإن لا مؤشرات نهائيا تشي برغبة الحكومة في إعادة النظر بالتشوه الكبير في شرائح الاستهلاك الكهربائي، إضافة إلى التشوه الناتج عن فرق أسعار الوقود ورسم النفايات التي يتحملها المواطن، وهي إحدى الخلاصات الرئيسة التي توصلت لها اللجنة النيابية بحسب تصريح رئيسها النائب خالد البكار. التشوه بشرائح الاستهلاك وذلك الناتج أيضا عن احتساب فرق أسعار الوقود ليس جديدا أو مرتبطا فقط بالأزمة الأخيرة، بل هو مشكلة رئيسة ممتدة لا تزيد فقط معاناة المواطنين في استهلاكهم المنزلي للكهرباء بل وتؤثر سلبا على أصحاب المصالح التجارية والصناعية الصغيرة والمتوسطة وترفع من كلف الإنتاج والعمل لديهم وتسهم في خروج العديد منهم من السوق لعدم قدرتهم على مجاراة ارتفاع كلف الإنتاج والتشغيل لأعمالهم ومصالحهم. قد تكون هذه هي الفرصة المناسبة للحكومة ولمجلس النواب لإعادة النظر بهذا التشوه الضار بمصالح المواطنين وبالحركة الصناعية والتجارية، وذلك عبر البحث عن معادلات متوازنة وعادلة لشرائح الاستهلاك وفرق اسعار الوقود وبما يخدم مساعدة وإنعاش عمل المؤسسات التجارية والصناعية التي ترزح تحت أعباء ضريبية وانتاجية وتسويقية لها أول وليس لها آخر، وترتد بالمحصلة سلبا على الوضع الاقتصادي العام. الراهن؛ أن التهرب من تنفيذ توصيات اللجنة النيابية المشتركة لن يحرم المتضررين من العدالة فقط بل وسيعمق أزمة الثقة بالحكومة والمؤسسة الرسمية، وهو باب آخر ندفع ثمنه الكثير مع تجذر غياب هذه الثقة الشعبية وتواصل استنزافها منذ سنوات!اضافة اعلان