قبل الاحتفال بالانتصار على "داعش"

قد يكون من المبكر، والمبكر جدا، الاحتفال الدولي بتحقيق الانتصار الكامل على تنظيم "داعش" الإرهابي، بعد السيطرة على آخر معاقله على الأرض ببلدة الباغوث شرق سورية يوم السبت الماضي، وإعلان الولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية زوال ما اسميت بـ"دولة الخلافة".اضافة اعلان
لا شك أن النصر العسكري في آخر معاقل التنظيم الإرهابي على الأرض مرحلة مهمة وحاسمة بالحرب على الإرهاب والتوحش بأبشع صوره الذي مثله "داعش" خلال سنوات مضت، لكن كل التحليلات والتقارير الاستخبارية تحذر من الخطر الذي تشكله بواقي التنظيم وخلاياه النائمة في غير مكان وساحة، واستمرار امتلاكها للقدرة على الإضرار وتشكيل خطر أمني لا يستهان به.
حتى وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، لم تكن بتلك الحماسة التي أبداها الرئيس دونالد ترامب، بالاعلان الاحتفالي بانتهاء "داعش" وتحقيق النصر على التنظيم.
بالنسبة لنا؛ فإن القضاء على "داعش" وكل العصابات الإرهابية الشبيهة هو نصر للإنسانية جمعاء، وحماية لأمن شعوبنا، وانتصار لقيمنا وديننا ولاستقرار دولنا التي عانت اكثر من غيرها من هذا الإرهاب الأعمى والاستثمار به لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية على حساب شعوبنا ومجتمعاتنا.
لكن هذا النصر على "داعش" لا يستقيم ولا يكتمل في ظل بقاء البيئات الحاضنة للفكر الإرهابي والمتطرف والظروف التي تخلق لاستمرارها وازدهارها، ليس في العراق وسورية فقط، بل في كل الإقليم، وفي أوله فلسطين وقضيتها المفتوحة على الظلم والخرق للقانون الدولي والانساني، خاصة اليوم في ظل ما تذهب اليه إدارة ترامب المتصهينة والمتطرفة من انحياز اعمى حد التماهي مع سياسة اليمين الاسرائيلي، وبالضد من الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، وحتى بالضد من المصالح الاميركية والدولية، التي يفترض بها التحقق بعودة الاستقرار للمنطقة بحل عادل لأعقد قضاياها، لا بدعم الارهاب الاسرائيلي ودولة التمييز العنصري و"الابارتهايد".
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن القضاء على "داعش" واستئصال خطره الكامن يتطلب اولا التوقف عن الاستثمار الاميركي ومن قبل دول عديدة بالارهاب والتطرف لتصفية الحسابات السياسية واستخدامها ادوات في الصراعات ضد الآخرين، وهو ما جرى في العراق وسورية وليبيا، وكان الاستثمار الفاقع بل والمقامرة القاتلة بهذا الارهاب في سورية، التي دعم فيها صفا طويلا من الجماعات والفصائل الارهابية والمتطرفة بالمال والسلاح والدعم السياسي والاعلامي وبإنعاش الابعاد الطائفية التفتيتية لتصفية الحسابات مع سورية والسيطرة عليها قبل ان ترتد المقامرة على رؤوس الجميع.
وكما اوجدت الولايات المتحدة القاعدة باستثمارها في التطرف والارهاب بحربها مع الاتحاد السوفياتي في افغانستان، انتجت سياساتها القاصرة والمقامرة وحساباتها الطوباوية "داعش" والنصرة والقاعدة في بلاد الشام وصف طويل من التنظيمات المتحجرة التي تدور بفلكها، وعندما خرج البعبع من قمقمه، اصطلت أيدي الغرب والولايات المتحدة ذاتها، اضافة الى مجتمعاتنا ودولنا بنار الإرهاب والتطرف.
اليوم وإدارة ترامب تحتفل بهزيمة "داعش" في الباغوث السورية، لا تبدو قد تعلمت من المأساة التي ضربت المنطقة والعالم بدعم الإرهاب والتطرف والاستثمار بهما في السياسة الدولية، وما قرار ترامب الاخير تجاه الجولان السوري المحتل وقبله قراره تجاه القدس المحتلة، إلا شاهد على المضي قدما بخلق البيئة المناسبة لولادة كل انواع التطرف وعدم الاستقرار، ناهيك عن مضيه بقرع طبول الحرب ضد ايران والتحشيد ضدها ما يهدد بفتح باب جديد لعدم الاستقرار وانتعاش الارهاب والتطرف والصراعات الطائفية بالمنطقة كلها.
قبل أن تعلن الولايات المتحدة الاحتفال بالنصر على "داعش" عليها أن تتعلم كيف تغلق ابواب صناعة التطرف والكراهية والإرهاب، وهو أمر يبدو بعيدا جدا وللأسف!