قبل فوات الأوان

الدكتور سهيل الصويص

في الوقت الذي يعلن به رئيس الوزراء بأن تحدي كورونا لم ينته وعلينا أن نكون يقظين ويصرح وزير الصحة بأن الوضع الوبائي في دول الجوار وصل إلى درجة القلق تهطل علينا أخبار مثيرة للحيرة حول خطة قريبة تهدف لاستقطاب مرضى من هذه الدول للإقامة في بعض مستشفياتنا الخاصة.اضافة اعلان
المستشفى بالتعريف المبسط هو المكان الذي يقصده المرضى ممن حلت بهم ضائقة صحية طارئة أو ممن يحتاجون لاستشارات وفحوص تشخيصية بهدف تلقي العلاج. أي بما معناه أن المستشفى ليس بصرح للنقاهة والاسترخاء بل ملجأ لأناس مصابون بعلة صحية بعض منهم فقدوا المناعة الجسدية وغدوا مهلكين من المرض وهؤلاء هم الذين يشكلون الشريحة الأكثر تعرضاً لمضاعفات ووفيات مرض كورونا وهم بالتحديد الذين سيجاورون ويتعايشون مع المرضى القادمين من الدول الموبوءة المجاورة.
منذ أيام ازدهار سياحتنا العلاجية قبل أن نغتالها بأيدينا وندفع بالوافدين لاختيار وجهات أخرى تربعت اليمن وليبيا على مرتبة الشرف في الوفاء لمستشفياتنا، وكلاهما تمران اليوم بظروف مؤلمة مع انعدام إمكانيات مغادرة البلاد بانتظار أن تنفرج الأمور قريباً بإذن الله ولهذا فلا يمكن اعتبارها وجهات مثمرة لفكرة استقطاب مرضاهم في الوقت الحاضر. وفيما يخص الوضع الوبائي فيها فرغم قلة أعداد المرضى نسبياً في ليبيا (544 حالة) وفي اليمن (922 حالة) فهل يمكن الاستنتاج بأن الوضع الكارثي الميداني الناتج عن الحروب يؤهل السلطات الصحية هناك لاكتشاف جميع الحالات وعلاجها إضافة إلى أن نسبة الوفيات من الوباء في اليمن تعتبر كثيفة للغاية وتفوق بأضعاف المتوسط العالمي (27 % من الحالات) مما يعتبر مؤشرا على صعوبة الوضع الوبائي هناك ومن هذه الحالات المتقدمة في المرض ستهطل علينا قوافل المرضى عما قريب.
الأكثر قربا منا تبقى العراق (30 ألف حالة) والسعودية التي سجلت في الأيام الأخيرة 3-4 آلاف حالة يومياً وتتربع على المرتبة 15 عالمياً في الإصابة بالمرض (157612 حالة) ولقد تضاعفت الأعداد بشكل مقلق منذ 26 أيار (مايو) وعندما نستنتج أعداد المصابين بالمرض من سائقي الشاحنات القادمين للأردن فذلك يعتبر مؤشرا مقلقا على الخطورة المحتملة التي تمثلها أفواج مرضى قادمين من هناك.
وفيما يخص دول الخليج فأعداد مرضاهم اضمحلت بشكل مأساوي في السنوات الأخيرة ولم تعد مستشفيات عمان خيارهم الأفضل إضافة إلى التحسن الكبير في مستوى الرعاية الصحية في بعض هذه البلدان مثل قطر التي إن كنا نحلم باستقطاب مرضى منها فإنها تحتل اليوم المرتبة 19 عالمياً وسجلت بها 87369 حالة رغم قلة تعداد سكانها بل ولقد تضاعفت أعداد الإصابة منذ 24 أيار (مايو).
نعود الآن لصلب القضية والتفاصيل المثيرة للجدل لكيفية تطبيق العناية للمرضى الذين نحلم باستقطابهم في 4 أو 5 مستشفيات مدللة لوحدها من بين 69 مستشفى خاص في الأردن.
تقول التفاصيل بأنه سيتم تخصيص طابق كامل لهؤلاء المرضى في كل من المستشفيات المختارة ويتوجب فرض حجر عليهم لمدة 14 يوميا قبل البدء بتلقي العناية والعلاج بينما بقية الطوابق والأقسام تواصل عملها كالمعتاد.
هذا يعني ببساطة متناهية أنه وبانتظار عملية الفصل النهائية حسب نتائج فحص الكورونا ( فالفحص قبل 72 ساعة من القدوم ليس له أي وزن علمي ولا يشكل دليل على خلو المريض من الفيروس في الأيام القادمة ) فإن مرضى القلب والمسنين ومرضى السكري والحوامل والأطفال سيمكثون تحت رحمة عدوى محتملة من المرضى المجاورين ومهما كانت الحجج الواهنة بفرض عزل للوافدين في طابق منفصل فهل يا ترى سيهبط الطاقم العلاجي بطائرة هليوكبتر لتقديم العناية لهم أم أنهم سيستخدمون مداخل ومرافق المستشفى المخصصة للجميع وهل التكييف المركزي منفصل أم أن العدوى ستنتقل عبر التكييف وهل الحالات الطبية المستعجلة تحتمل انتظار 14 يوما لتلقي التشخيص والعلاج أم أنه سيكون ضرورياً أن ينعموا بالتصوير الشعاعي بأجهزة تستخدم للمرضى الآخرين وكذلك هل سيكون للمرضى الوافدين أطباء اختصاص منفصلين أم أن هؤلاء سيتابعون عملهم لرؤية مرضى آخرين بعد غسل يديهم بمعقم ثمنه ديناران وبكمامة وقفازات تدوم اليوم بأكمله وهل أطباء الاختصاص هؤلاء سيبقون منزوين في هذه المستشفيات أم سيجوبون مستشفيات أخرى ويدخلوا في احتكاك مع مرضاها؟
نحن لسنا بهذه السذاجة لنهضم فكرة أن مواطنا قادما للعلاج بشكل طارئ تحتمل حالته المكوث 14 يوما بانتظار جلاء الشك بخصوص الفيروس ولا يبدأ علاجه، وإن بدأت مرحلة العلاج قبل مهلة ال 14 يوما ونميز من المصاب من غيره فهذه كارثة مرعبة بحق المرضى الآخرين وأطقم العلاج والتشخيص في المستشفى). وهنا نتساءل ولن نجد جواباً : لماذا لا يمكثون في فنادق خاصة وبشكل منعزل كامل بدل تعريض صحة وحياة المرضى المحليين لعدوى محتملة؟ وإن كانت من بينهم حالات طارئة تستوجب العلاج السريع فهذا يعني أنهم سيخالطون الزاميا مرضى آخرين فغرف العمليات واحدة وطاقم الاختصاص نفسه والتصوير الطبقي والمغناطيسي وغرف القسطرة نفسها للجميع فهل يعقل أن نعرض المرضى الأبرياء للتعرض لمخاطر العدوى الفائقة بحجة تشجيع السياحة الطبية التي تحتضر منذ عشر سنوات وليس منذ أزمة كورونا فقط ونضاعف أعداد الإصابات ونضحي بالجهود المبجلة التي بذلتها أجهزتنا الصحية والأمنية خلال المائة يوم الأخيرة من أجل حفنة من الدنانير تجنيها قلة من المستشفيات الخاصة؟
كذلك فهل يعقل أن لا نصارح المرضى والرأي العام بأنه في مستشفى معين يرقد مرضى قادمون من دول موبوءة مع احتمالية وجود فيروسات نائمة قابلة للعدوى ومن حقهم حرصا على صحتهم مقاطعة هذه المستشفيات مؤقتا وكذلك الأمر فيما يخص أطباء الاختصاص الذين يعالجون مرضاهم في مستشفيات عدة هل سيقبلون بادخال مرضاهم لهذه المستشفيات مع وجود مخاطر عليهم وعلى مرضاهم في هذا المستشفى أو ذاك ومن حقهم مقاطعة هذه المستشفيات مؤقتا.
وإن كانت الجمعية تضغط بقوة لتنفيذ الفكرة فلماذا لا نقلل من المخاطر المحتملة والقادمة لا محالة ونكتفي بتخصيص مستشفى واحد من هذه المستشفيات كفندق علاجي ويكون لكل مستشفى طابق ويتقاسمون الغنيمة بين الرفاق باتفاق متبادل مسبق مع ضرورة وجود رقابة على الكلفة العلاجية لكي لا نعيد ما فعلته المستشفيات بالمرضى الليبيين وغيرهم ؟
والنقطة المهمة المتبقية ماذا عن المرافقين للمرضى ومن سيتولى رقابتهم وتفقد حالتهم وخلوهم من الفيروس أم أنهم محصنون من المرض؟ كذلك فمن سيضمن عدم تكرار سيناريو الجرحى الليبيين حيث كانت نسبة منهم لا يستحق وضعها الصحي دخول المستشفى ونقوم باستقبال عشرات من الوافدين بتقرير طبي مبالغ به طمعا بهجر الحرب والكوارث والحضور لعمان دون التمعن بحالتهم الوبائية بدقة وهل تمانع مستشفياتنا بذلك يا ترى؟
منذ متى غدت المستشفيات مراكز إيواء وفنادق ومنتجعات بل ومعاقل لانتقال العدوى وإيذاء الآخرين وليست صروحا للعناية الصحية والتشخيص والعلاج وخدمة المحتاجين فهل يعقل أن نحسد أنفسنا على الوضع الوبائي المستقر في الأردن لنقوم متعمدين باشعال لهيب العدوى والتضحية بصحة مرضانا وسمعة وطننا الرفيعة التي بنيناها بعزم وبدعم مباشر من القائد الأعلى ؟
لنتروى قليلا قبل فوات الآوان وننتظر انفراج الوضع المقلق في دول الجوار حسب وصف وزيرنا الكريم ولا نرضخ لضغوطات لا تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية بالدرجة الأولى.