قتل المرأة أم قتل الحكاية؟

ليس مفهوما إن كان “العار”، وتحت كلمة العار خطان أحمران، يمكن أن يغسله الدم، إن لم يكن ذلك العار مرتبطا بمفهوم لا أخلاقي اسمه العمالة! وحتى العمالة التي تصيب عائلات إن لم تكن بلدة بأكملها، ينتمي إليها فرد ضعيف سلم نفسه لجهة عدوة معلومة ومتفق عليها، لم تنفذ هي الأخرى من جريرة العار في السابق كما سمعنا، بمجرد التخلص من العميل بقتله. فالسمعة السيئة حين تلتصق بقصة أسرة في مجتمعنا، تظل مرافقة لها عبر أجيال وراء أجيال، لا تغسلها من سواد سيرتها إلا معجزة.اضافة اعلان
فما بالنا حين يرتبط العار بسلوك إنساني، مهما كانت صفته أو شاكلته، تقوم به أنثى بطبيعة حال مفاهيمنا العربية الظالمة تجاه المرأة، الساكتة عن قلة الشرف الممارسة من الذكور، وتتجاوز في إيذائها الشخص نفسه، لتمتد في غالبية الأحيان إلى بيوت الناس المطمئنة، وحياتهم الساكنة وأمنهم المستتب، بما فيها بيت أهله نفسه، ولكنها تتغاضى عن أفعاله الشنيعة وتجاوزاته المريضة، فقط لأنه لا ينتمي لفئة التاء المربوطة!
فعلا، والسؤال يطرح نفسه بقوة؛ هل يقتل القتلُ العار؟ هل ينتهي منه بمجرد إطلاق رصاصة أو توجيه طعنة؟ هل ينسى الناس ما فعلته “المقتولة” بمجرد أن قام أحد أفراد عائلتها بالتخلص منها؟ هذا التساؤل المخجل حقيقة، يحمل في طياته الكئيبة تواطؤا معيبا مع سبب القتل، وكأن هناك أصلا سببا أو حجة مقبولة لإنهاء حياة شخص ما، مهما يكن ومهما فعل، من أجل كتابة النهاية الطبيعية لقصة “العار”!
في القضية الأخيرة التي صدمت “لست متأكدة إن كانت صدمت بالفعل” المجتمع الأردني، يقوم القاتل بالترصد لشقيقته ويطعنها أمام الناس، بل وأمام بوابة مستشفى ويرديها شبه ميتة، ويجلس بكل برود أعصاب ينتظر خروج روحها وهي مرمية أمامه، أمام الناس، أمام بوابة مستشفى، بدون أن يقوم عقل واحد بالتحرك والاتصال بجهاز أمني، أو المبادرة لإنقاذ الضحية، ولو من باب الإنسانية المجردة، لماذا؟ لأن الأخ كان يتهدد كل من يقترب من شقيقته بأن يلحق بها! هكذا بكل سلاسة وهدوء ينفذ القاتل خطته، وهو متأكد أن لا أحد سيقترب منه إلا إذا كان لدواعي التصوير والتوثيق، اللذين هما الآن أهم وأوقع تأثيرا من إنقاذ إنسان من الموت.
يبدو أن إنسانيتنا صارت متجردة بقبح وجنون ولا منطقية، تضطرنا إلى تسمية الأشياء بأسمائها في لحظة تعقل، إنه العار الحقيقي الذي مورس تلك الليلة فوق جسد الضحية المسجى على الرصيف، في انتظار صور وفيديوهات عالية الجودة، تنقل عارنا المتبجح المتعري بشكل صارخ، أمام المنطق والضمير. والأنكى من ذلك كله، التبريرات والتوضيحات والتفاهمات المباشرة وغير المباشرة، لجريمة السكوت الجماعي في تلك الدقائق التي سالت خلالها دماء المرأة، حتى تصفت. فمنهم من اعتبر الأمر قضية عائلية لا علاقة بالغرباء بها، وآخرون خلصوا إلى نتيجة أنها تستحق القتل، ومحو العار إن كانت فعلا مذنبة، وكثيرون التزموا صمت الحملان خشية من ردود أفعال المتابعين من الأصدقاء، وقليلون بكوا على حالنا الذي وصلنا إليه، عندما تنصب محكمة شرف ليلية أمام الجماهير، لامرأة ارتكبت شيئا ما لا نعرفه، ولكنها بالتأكيد تستحق الموت مادام الحاكم شقيقها، الذي يصغرها بعشرين عاما!
وفي النهاية أرجع للتساؤل الأول؛ هل محت دماء الإسفلت عار الأسرة فعلا بالنسبة لمجتمعنا؟ هل سينظر الناس في قادم الأيام إلى العائلة باحترام وإكبار متناسين “خطيئة” امرأة، فيتقربون منهم ويصاهرونهم، بدون أن تذكر امرأة “شريفة” قريبتها، أنه لاداعي لذلك خوفا أن تكون جينات العائلة كلها منحرفة؟ أوليس هذا الذي يحدث حقا؟
العار، وهذه المرة مجردا من أي خطوط، لا ينام في النهار ولا في الليل، لأنه مستيقظ في تلابيب الذاكرة المجتمعية، إلى نهاية النهايات. والدليل أن كثيرا من تلك الأسر كنيت وأطلقت عليها أسماء جديدة، منسوبة لنساء قتلن بدافع الشرف منذ سنوات طويلة، ولم تغسل جرائم قتلهن حكاياتهن التي دفنت معهن، بدون أن يعرف حقيقتها أحد.