قدر ضخم يغلي!

كتبت أمي رحمها الله في دفترها الأثير عن الوجوه المزيفة، والقلوب التي تبيت الشر والبغض والحسد. وقد يستغرب من يقرأ كلماتها أن من كان بمثل عمرها، وهي على مشارف السبعين، تكتب عن نفاق الناس وتقلب الوجوه، باعتبار أنه يغلب على من كان حولها في تلكم الأيام هم أو هن أنهم في مثل عمرها أو حوله بقليل.اضافة اعلان
كيف يستقيم أن يصل الإنسان لمثل هذا السن، ولا يتخلى عن العادات والصفات غير الحكيمة، بل والمؤذية للغير حتى لو لم تتجاوز مرحلة المشاعر؟ كثير من الفيديوهات المنتشرة منذ أعوام لسيدات ورجال كبار في السن، يندمون على أيام قضوها في الغضب والحسد وعدم الرضا بالمقسوم، وهم في عمر الشباب. مما يدل على تطهرهم إن صح التعبير من تلك الأحاسيس الثقيلة على أصحابها، قبل أن يستثقلها المعنيون بها. في الوقت ذاته، وللأسف الشديد، تبقى هذه المشاعر المحطمة الموغلة في التدمير الذاتي، متعلقة بتلابيب أصحابها، كما أقدام حشرة القراد على الكائنات المتحركة!
في دراسة مثيرة للاهتمام حول ذات الموضوع، ورغم اعترافهم بان أذواقهم، قيمهم وحتى شخصيتهم قد تغيرت خلال العقد الأخير، فانهم الناس في العموم يميلون للإصرار على انهم سيبقون على نفس شخصياتهم اليوم كما هي بعد عشر سنوات من الآن، طبقا لدانيل جلبرت، عالم النفس في جامعة هارفاد.
يقول “جلبرت” إن علماء النفس يعرفون قليلا عن كيفية تغير الشخصية والقيم اثناء الحياة. مثلا، الناس يميلون لان يصبحوا أقل انفتاحا مع الوقت لكن أكثر استجابة لضميرهم. وأيضا كلما كنت أكبر سنا كلما كنت اقل احتمالا للتغيير في المستقبل. مع ذلك فأنت تبقى تتغير أكثر مما أنت تتوقع، طبقا لتلك الدراسة.
جزئية الضمير هي التي استوقفتني، لأنها تتعلق مباشرة بعودة الفطرة إلى طبيعتها الطيبة المستكينة، بعد مرور سنوات العمر بتجاربها وأفراحها وانتكاساتها ومفاجآتها. فالإنسان الطبيعي من المفترض أنه يزهد بما كان يمثل له يوما من الأيام تحديا وتنافسا محموما، لإثبات وجهات نظر أو حقائق تتعلق بمكنونات نفسية لا أكثر ولا أقل. الإنسان الطبيعي ينزع إلى الهدوء أكثر والتسامح بل حتى إلى اللامبالاة في أحيان كثيرة!
من هنا، وحين استوقفتني عبارة “يضحكون في وجهك وفي قلوبهم غل وحقد دفين”، من ضمن مذكرات والدتي، والشعور الذي انتقل إلي مباشرة بحزنها وخيبتها من الناس الذين يقابلون الناس بوجه، وفي ذواتهم ألف وجه ووجه، وهي التي وصلت إلى حالة من السلام الداخلي والزهد بمشاحنات الأمس والنزوع إلى السكوت أكثر، فسرها كثيرون بأنها حالة اكتئاب (!!). مع أنه فيما يبدو ومع اقتراب نهاية عمر الإنسان، يتملكه شعور داخلي عميق بالنهاية لا يمكن أن يبوح به بالكلام، وما تلك السكينة إلا أداته للإقتراب من النفس المطمئنة.
يقول شمس التبريزي: “إن العالم قدر ضخم يطهى فيه شيء ضخم لكننا لا نعرف ما هو حتى الآن، فكل ما نفعله، أو نلمسه، أو نفكر فيه، هو أحد مكونات ذلك الخليط . يجب أن نسأل أنفسنا ماذا نضيف إلى القِدر.
استياء أو عداوات
غضباً أو عنفاً
أم نضيف حباً وانسجاماً؟؟
عندما أفكر فيك فإن المكون الذي أضيفه هو ابتسامة عريضة.