قراءات الصحافة الألمانية في زيارة أوباما الأخيرة لإسرائيل

أوباما يقف خاشعاً بين بيريز ونتنياهو أثناء زيارته الأخيرة لإسرائيل - (أرشيفية)
أوباما يقف خاشعاً بين بيريز ونتنياهو أثناء زيارته الأخيرة لإسرائيل - (أرشيفية)

تشارلز هاولي - (ديرشبيغل) 22/3/2013

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

 

في الكلمة التي ألقاها أمام طلبة جامعيين إسرائيليين خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل، أصر الرئيس الأميركي باراك أوباما على القول إن السلام مع الفلسطينيين ما يزال ممكناً. لكن المراقبين الألمان لاحظوا أن التوسط في صفقة سلام ليس ضمن أولويات أوباما الأولى.
وكانت رسالة الرئيس أوباما واضحة عندما كان يوجه كلامه لمئات من الطلبة الجامعيين الإسرائيليين المنتقين في مركز المؤتمرات في القدس. وقال إن القادة الفلسطينيين والإسرائيليين لن يصلوا إلى الاتفاق ما لم يكن هناك ضغط من الأسفل. وشدد على القول: "أستطيع أن أعدكم بهذا: القادة السياسيون لن يجازفوا أبداً إذا لم يدفعهم الشعب نحو المجازفة. عليكم أن تصنعوا التغيير الذي تريدون أن تروه".
كما طلب من مستمعيه "وضع أنفسكم في مكانهم. وانظروا إلى العالم من خلال أعينهم" في إشارة إلى الفلسطينيين الذين قال إنهم يعيشون "حياتهم كلها في ظل جيش أجنبي يتحكم في تنقلاتهم وحركتهم". وتماماً مثلما يستطيع الإسرائيليون بناء بلدهم الخاص، كما قال، فإن الفلسطينيين "لهم الحق في أن يكونوا شعباً حراً في أرضهم الخاصة".
أن تكون ملاحظاته قد قوبلت بالتصفيق هو بمثابة شهادة غالباً على العملية المؤلمة التي توجب على الطلبة المرور بها أثناء التقدم من أجل السماح لهم بحضور إلقاء الكلمة. وفي إسرائيل الرسمية، على أي حال، لم تستقبل الكلمة بشكل جيد. وقد أصدر نتنياهو تصريحاً مقتضباً شكر فيه أوباما على "الدعم غير المحدود لدولة إسرائيل" الذي تعهد به الرئيس في كلمته. وباستثناء ذلك، قال فقط أنه يعتقد هو أيضاً بأن السلام يجب أن يضمن الأمن للمواطنين الإسرائيليين، و"أتفق مع الرئيس أوباما على أن لدينا وطنا رائعا".
ترقيع الاختلافات
ربما مثلت كلمة أوباما ورد فعل نتنياهو عليها أكثر اللحظات صدقاً في زيارة الرئيس للشرق الأوسط حتى الآن. فهي أول زيارة يقوم بها الرئيس لإسرائيل في أكثر من أربعة أعوام قضاها في البيت الأبيض، ولطالما كان واضحاً أن ثمة القليل من الحب المفقود بين الزعيمين. وكانت كلمة أوباما التي وجهها إلى العالم الإسلامي في مصر بعد وقت قصير من انتخابه للرئاسة الأولى قد تركت العديد من الإسرائيليين يشعرون بأن واشنطن قد تخلت عنهم، كما أن نتنياهو ألقى بدعمه علناً في العام الماضي وراء منافس أوباما على الرئاسة، المرشح الجمهوري ميت رومني.
بدا الجزء الأول من زيارة أوباما وأنه كان جهداً واضحاً لترقيع بعض تلك الاختلافات. وقد استقبل الرئيس لدى وصوله إلى المطار من جانب نتنياهو والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس وكل أعضاء المجلس الوزاري في البلد. ومباشرة تقريباً بعيد وصوله، شرع أوباما في مناداة مضيفه باسم التحبب "بيبي". كما أمضى الرجلان وقتاً كبيراً وهما يتهامسان خلال مأدبة العشاء التي أقيمت في القصر الرئاسي. وقال أوباما أيضاً كل الأشياء الصحيحة عندما شدد على أن التحالف الأميركي الإسرائيلي أزلي، وأن كل الخيارات تبقى مطروحة على الطاولة عندما تطرق إلى موضوع البرنامج النووي الإيراني. حتى إن الخبير البارز في شؤون الشرق الأوسط، جيفري غولدبيرغ، وصف الرحلة بأنها "مناسبة لتبادل الآراء حول عملية الصحراء".
ويبدو من غير المرجح أن تسفر زيارة أوباما عن فعل الكثير للتقدم بقضية السلام في المنطقة. ويبقى الجانبان في هذه اللحظة بعيدين عن بعضهما لدرجة أن تشكك نتنياهو بالرئيس لا ينافسه سوى شعور الفلسطينيين بأن البيت الأبيض لم يفعل ما فيه الكفاية لمساعدتهم في تأمين إقامة دولتهم. وقال تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية: "إن السياسة الأميركية منحازة للموقف الإسرائيلي".
ومن جهتهم، بدأ كتاب الافتتاحيات الألمان بخسران معركتهم ضد التشاؤم يوم الجمعة الذي أعقب كلمة نتنياهو، عندما علقوا على رحلة أوباما الشرق أوسطية.
كتبت صحيفة "داي فيلت" المحافظة:
"كانت زيارة أوباما محاولة لتصحيح الأخطاء الماضية التي ارتكبها في المنطقة. وكان من الضروري أن يمدد أوباما هجومه السحري (من العالم المسلم) ليشمل الإسرائيليين الذين لطالما نظروا إلى الرئيس على أنه خصم. ويبدو الأمر كما لو انه كان ناجحا. ومع ذلك، وفي ذات الوقت، ظل أوباما منتقدا للمستوطنات الإسرائيلية، لكنه أوضح للرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه لم يعد يقبل بأن يتخذ موضوع المستوطنات ذريعة لعدم المشاركة في المفاوضات. إنه تحرك يضع أوباما على أرضية محايدة، حيث يصبح من الأسهل عليه تحقيق تقدم".
وأضافت الصحيفة: "لقد ألقى أوباما كلمة جيدة أمام الطلبة الإسرائيليين في القدس. وأورد عدداً من الحقائق غير المريحة للجيل الأكثر شباباً من الإسرائيليين الذين طلب منهم رؤية الأمور من المنظور الفلسطيني. وكانت تلك محاولة لكسر التشاؤم السائد إزاء السلام، الذي يعتنقه العديد من الإسرائيليين. لكنه فعل ذلك بطريقة لم تنطو على المطالبة بالكثير، نظراً لامتلاء كلمته بالتفهم والتعاطف. وقد عزف أوباما على الوتر الذي تخلى عنه الأوروبيون عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. ويتمنى المرء لو ان الرئيس كان قد خطا هذه الخطوات نحو الإسرائيليين قبل أربعة أعوام -بعد كلمته (للعالم الإسلامي) في القاهرة. ولو أنه كان قد فعل ذلك، فإن المزيد ربما كان قد أصبح ممكناً مقارنة مع الحالة الراهنة في الشرق الأوسط، هذه المنطقة المهددة بالغرق في أتون فوضى عارمة".
وكتبت صحيفة "سودويتش زيتونغ" من يسار الوسط:
"بالرغم من الروابط الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإن الهدف الأولي لسياسة واشنطن في الشرق الأوسط ظل يقوم دائماً على جلب السلام إلى المنطقة. وكان ذلك ذات مرة مهماً لوصول البلد إلى النفط، واليوم أصبح من الضروري بالنسبة للموقف الأميركي في عالم تتهدده العداوة بين الغرب والبلدان الإسلامية".
ومضت الصحيفة إلى القول: "من الممكن أن تصبح سياسات إسرائيل تهديداً خطيراً للمصالح الأميركية في المنطقة -وأميركا لن تسمح بذلك، بغض النظر عن مدى عمق الصداقة التي قد تظهر بينهما. ولأن ميزان القوى في العلاقة واضح، فإن هناك احتمالين وحسب:
إما أن تتكيف إسرائيل وتقبل بالموقف الأميركي جزئياً على الأقل. أو أن تصنع الولايات المتحدة في نهاية المطاف المزيد من المسافة مع حليفتها الصغيرة. وبإمكان المرء أن يشهد أمارات على ذلك خلال مهرجان زيارة أوباما الأخيرة. فأوج زيارة أوباما لم يكن، بعد كل شيء، كلمة يلقيها أمام البرلمان (الكنيست) كما كانت رغبة القيادة في القدس. وبدلاً من ذلك، اختار أوباما جمهوره الخاص وعرض رؤيته للسلام أمام طلبة جامعيين -لا على ساسة".
 ومن جهتها، تقول صحيفة "داي تاغيززايتونغ" ذات الميول اليسارية:
"لم يسبق من قبل أبداً أن تمت زيارة رئاسية أميركية لإسرائيل، والتي لعبت خلالها عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين مثل هذا الدور الصغير. فقد خاطب أوباما ونتنياهو وبيريس المشكلة خلال الزيارة من باب رفع العتب. لكنه كان من الواضح أن موضوعات مثل الحرب الأهلية في سورية والبرنامج النووي في إيران... وعدم الاستقرار في المنطقة برمتها نتيجة للربيع العربي، كانت أكثر أهمية بكثير... يستطيع المرء أن يفهم شعور الفلسطينيين بأنهم قد نحوا جانباً. والحقيقة المحزنة، هي أنها كلما هدأت حدة العنف الفلسطينية، فإن الجهود الرامية لحل الصراع تفقد إلحاحها".
وأضافت الصحيفة ذاتها: "لكن تهميش الفلسطينيين إنما ينم بوضوح عن قصر نظر. وقد أظهرت العقود الأخيرة أن مراحل الهدوء النسبي تكسرها دائماً مراحل من العنف والثورة. وعلى ضوء القلاقل الجارية في المنطقة، فإن آخر شيء يحتاجه الشرق الأوسط هو اندلاع انتفاضة جديدة".
 وتقول صحيفة "فرانكفورتر أليمانيه زايتونغ": لقد فشلت محاولة أوباما خلال رئاسته الأولى لإجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على التخلي عن سياساته الاستيطانية فشلاً تاماً.
الحقيقة هي أن إحراز تقدم في صراع الشرق الأوسط ليس من ضمن أولويات السياسة الخارجية الأكثر إلحاحاً لدى أوباما -كما أنها ليست من ضمن أولويات أولئك اللاعبين المهمين الآخرين. كما أن الوعد بأن يمدد وزير خارجيته (جون كيري) الوقت والطاقة لمساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين في الاقتراب أكثر من بعضهم بعضا لا يعدو كونه الحد الأدنى، وهو من الناحية العملية مجرد مجاملة. وبغير ذلك، وبعيداً عن الشكوك القليلة غير المحلولة، فإن أوباما قد تبنى نهج نتنياهو بشكل كامل.

اضافة اعلان


*نشرت هذه البانوراما تحت عنوان:
 Obama Has Adopted Netanyahu’s Course

[email protected]