قراءة في مذكرات الأميرة بديعة الناجية من "مجزرة الرحاب"

بديعة
بديعة

محمد أبو رمان *

رحلت قبل أيام الأميرة بديعة بنت الملك علي بن الشريف الحسين بن علي، عن عمر يناهز المائة عام، في لندن، حيث كانت تعيش بعد أن نجت من مجزرة الرحاب في العراق في العام 1958، تلك المجزرة التي أدت إلى قتل العائلة الهاشمية هناك، رجالاً ونساءً وأطفالاً، وكانت من بينهم عائلتها.
عاشت الأميرة بديعة لتقدّم روايتها للأحداث التاريخية الكبيرة، فهي ليست فقط ابنة الملك علي بن الحسين، الذي ترك الحجاز ليعيش مع شقيقه الملك فيصل الأول في العراق، بل هي أيضاً شقيقة الملكة عليا زوجة الملك غازي ابن الملك فيصل الأول، والأمير عبد الإله، وهو من كان وصيّاً على فيصل الثاني، وهي خالة الملك فيصل الثاني وابنة عمّ الملك غازي والملك طلال بن عبدالله، أعمامها ملك العراق وملك الأردن حينها والأمير زيد بن الحسين بن علي. بمعنى أنّ شهادتها التاريخية كانت من "داخل البيت"، سواء ما تتحدث به "بيوت" العائلة المالكة في العراق، أو الأحداث التاريخية الكبرى التي شهدتها العراق في تلك المرحلة.
مذكرات الأميرة بديعة صدرت في كتاب بعنوان “مذكرات وريثة العروش”، وقد صدرت الطبعة الأولى في العام 2002، والطبعة السادسة في العام 2014، وقد حررّه وأعدّه للنشر الباحث العراقي فائق الشيخ علي، بعد قرابة أربعة أعوام من العمل في تسجيل المقابلات وتحريرها وتوثيق الأحداث.
الكتاب، بالفعل، بمثابة وثيقة تاريخية على درجة عالية من الأهمية؛ يدخلنا بصورة ممتعة في أحيان، وتراجيدية حزينة للغاية في أحيانٍ أخرى، إلى حياة العائلة المالكة في العراق؛ التفاصيل اليومية، وما وراء النوافذ والجدران المغلقة، ويعرّفنا عن قرب على شخصيات تاريخية لعبت دوراً كبيراً في التاريخ العربي المعاصر، والتاريخ العراقي تحديداً.
الكتاب هو عملية اقتحام، إن جاز التعبير، للهاشميين من أبناء وأحفاد وحفيدات الشريف الحسين بن علي. فالأميرة بديعة هي ابنة الملك علي بن الشريف الحسين. والملك علي هو أحد قادة الثورة العربية الكبرى، وملك الحجاز بعد تنازل والده، حتى نهاية العام 1925، ليغادر بعدها إلى العراق ويستقر هناك في كنف شقيقه الملك فيصل الأول.
زوجة الملك علي هي الملكة نفيسة (وهي من الأشراف أيضاً)، وابنه هو عبدالإله؛ الوصي على عرش العراق بعد وفاة الملك غازي، العام 1939، في حادث سير مؤسف، إذ كان الملك فيصل الثاني ما يزال صغيراً. وفي الوقت نفسه، فإن عبدالإله (كما تعرفون) هو خال فيصل الثاني، فشقيقته عالية هي زوجة الملك غازي.
يتحدث الكتاب عن الأمراء والأشراف وحياتهم. وإن كانت زاوية الرؤية قد تبدو في البداية من منزل الملك علي وعلاقته بزوجته وأبنائه، إلاّ أنّنا سنجد أنفسنا في الكتاب نعيش مع العائلة المالكة وأسرارها وقصصها وطريقة نظرتها للأمور، والعلاقة بين الأشقاء الملوك (فيصل وعلي وعبدالله) وأبنائهم وبناتهم، وتفاصيل الحياة الخاصة بهم، والتي تُكشف بصورة واضحة وصريحة للمرّة الأولى عبر هذا الكتاب!
في الكتاب نبرة حزن ما تزال تحكم رؤية الأميرة بديعة (من مواليد الشام العام 1920، حينما كانت والدتها في زيارة مع أسرتها للملك فيصل الأول خلال حكمه الشام، قبل معركة ميسلون الشهيرة). فبالإضافة إلى الأحداث الدامية التي شهدتها؛ وفاة شقيقتها عالية بالمرض العام 1950، وشقيقتها جليلة بحرق نفسها العام 1955، وابن عمها وزوج شقيقتها غازي العام 1939 بحادث سيارة، إلاّ أنّ القصة الكبرى التي لا يمكن أن تغيب عنها، بالرغم من هذه العقود الطويلة، هي المجزرة التاريخية التي ارتكبها قادة انقلاب 14 تموز (يوليو) 1958 في العراق، بحق العائلة المالكة والأمراء، في قصر الرحاب (الذي بني في العام 1939)؛ إذ قتلوا شقيقها عبدالإله، وابن شقيقتها الملك فيصل الثاني، ووالدتها الملكة نفيسة، وشقيقتها الكبرى الأميرة عبدية.
لم تشهد بديعة مجزرة قصر الرحاب؛ إذ كانت هي وزوجها الشريف الحسين بن علي وأبناؤهما في منزلهم، ونجوا من مصير العائلة المالكة، عبر اللجوء إلى السفارة السعودية. وبجهود دبلوماسية تمكنوا من مغادرة البلاد إلى مصر، ثم سويسرا، للاستقرار أخيرا في لندن، مع زوجها الشريف الحسين بن علي (والده كان قد تزوج اخت الشريف الحسين بن علي جدّ الأميرة بديعة، وقد توفي زوجها في لندن (في العام 1998)، ولها منه الأشراف علي، ومحمد، وعبدالله، وقد تزوجت حفيدتها الشريفة بديعة (ابنة الشريف عبدالله) من عبدالله عمرو البلبيسي وتقيم في عمان، بينما تزوجت حفيدتها الأخرى (بنت الشريف علي) من محمد مشهور عكاشة الزبن.
يعطي ألبوم الصور المنشور في الكتاب قيمة تاريخية وتوثيقية إضافية مهمة له، إذ فيه ما يتجاوز الـ150 صورة، تغطي مراحل مختلفة من تاريخ العائلة الهاشمية، من مرحلة مبكرة في بدايات القرن العشرين إلى نهاية عقد الخمسينيات من القرن العشرين، وفيه صور نادرة، وجميع الصور مزوّدة بشروحات مهمة عن التواريخ والأشخاص والمناسبات.
تعتبر الأميرة بديعة رحمها الله من آخر الأميرات الهاشميات في العراق، فيما يبقى سمو الأمير رعد بن زيد (حفظه الله) هو آخر أحفاد الشريف الحسين بن علي على قيد الحياة، وهو ابن عم الملك طلال والملك غازي الأول.

اضافة اعلان

*وزير الشباب السابق

غلاف كتاب مذكرات وريثة العروش - (أرشيفية)