"قرار المستوطنات": تساؤلات حول المغزى!

يطرح امتناع الولايات المتحدة الأميركية عن التصويت في مجلس الأمن الدولي لصالح قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عدة تساؤلات مشروعة، ذات مغزى ودلالات قد تكون خطيرة على المنطقة بمجملها، خصوصاً في ظل ما تعانيه في الوقت الحالي من هوان وذل قل نظيرهما، فضلاً عن حروب طائفية وأزمات داخلية وانقسامات.اضافة اعلان
إذ إن عدم استخدام واشنطن حق النقض "الفيتو" ضد قرار يدين دولة الاحتلال، يكاد يعتبر سابقة تاريخية، تستحق المزيد من التحليل؛ فهو بمثابة كسر للمقدسات الأميركية، كون الإدارة الأميركية تستخدم منذ العام 1979 "الفيتو" ضد أي قرار يمس الكيان الصهيوني.
ويطالب القرار الأممي الأخير، والذي تم تبنيه يوم الجمعة الماضي بتأييد 14 من أعضاء المجلس وامتناع واشنطن عن التصويت، إسرائيل بأن توقف فورا وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، ويؤكد أن المستوطنات ليس لها شرعية قانونية.
فهل تريد الولايات المتحدة الأميركية جراء امتناعها عن التصويت على ذلك القرار إظهار الجانب الحسن من صورتها القاتمة السوداء منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولو أمام الدول العربية التي خذلت أميركا معظمها بعدما أصبحت بنظرها غير مناسبة لسياساتها وأهدافها؟
وهل واشنطن صادقة وجادة في موضوع أن المستوطنات تشكل عقبة أمام تحقيق السلام في المنطقة؟ فالسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامنثا باور تقول: "لا يمكننا الدفاع عن توسيع المستوطنات الإسرائيلية وعن حل الدولتين معا". أم جاء ذلك مجرد مجاملة لحلفاء أصابهم ما أصابهم من ضعف لا يسر صديقا، وبالأخص أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيسلم سلطاته في العشرين من الشهر المقبل؟
وكيف سيترجم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وعده بأن "الأمور ستكون مختلفة" في الأمم المتحدة بعد توليه مهامه؟ وماذا يقصد بذلك؟
وهل يمكن اعتبار أن أعوام الدلال الأميركي لإسرائيل قد انتهت، وبالأخص بعد هجوم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ضد الرئيس أوباما، إذ قال "لا شك لدينا أن إدارة اوباما أطلقت (عملية طرح القرار) ونسقت مسوداته وطالبت بإقراره"؟ كما وصل الأمر بأن الناطق الرسمي باسم رئيس وزراء إسرائيل ديفيد كييس أكد أن "إسرائيل لديها معلومات لا شك فيها بأن إدارة اوباما دفعت فعلا باتجاه تبني هذا القرار وساعدت في وضعه".
إن استدعاء وزارة الخارجية الإسرائيلية سفراء عشر من الدول الـ14 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التي صوتت لمصلحة القرار، دليل على حالة الهستيريا التي يعيشها الكيان الصهيوني هذه الأيام؛ إذ يخشى مسؤولوه أن يسهل القرار إطلاق ملاحقات أمام المحكمة الجنائية الدولية ويشجع على فرض عقوبات على منتجات المستوطنات.
وهل سيستغل العرب المنهمكون في حروب الفائز فيها خسران، ذلك في سبيل رفع قضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية، لإثبات عدم شرعية وعدم قانونية تلك المستوطنات التي بُنيت على أراض عربية فلسطينية تذوق الأمرين جراء الهمجية والوحشية الصهيونية التي لا ترحم رضيعاً ولا شيخاً هرماً ولا أما ولا شجرا ولا يابسا؟
وعلى الرغم من أن القرار الأممّي جاء تحت الفصل السادس من ميثاق هيئة الأمم المتحدة، حيث تعدّ قراراته غير ملزمة، خلافاً لتلك الصادرة تحت الفصل السابع والتي تعتبر إلزامية، فإن القرار قد يؤثر بصورة أو أخرى وبشكل سلبي على المواد والمنتجات التي يتم تصديرها من دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى الاتحاد الأوروبي، خصوصا إذا ما علمنا أن ثلت صادرات الاحتلال إلى أوروبا مصدرها المستوطنات الإسرائيلية التي يعتبرها المجتمع الدولي غير شرعية وغير قانونية.
وهل ستؤثر التهديدات الإسرائيلية بإيقاف التنسيق المدني مع الفلسطينيين؟ وإلى أي مدى سيبلغ تأثيرها على الشعب الفلسطيني، الذي لم ينعم بأمن وآمان منذ أربعينيات القرن الماضي جراء الوحشية الصهيونية؟
وهل ستمضي دولة الاحتلال في إنفاذ مخططها الرامي إلى إقامة 58 ألف وحدة استيطانية في القدس المحتلة، حتى العام 2020 ؟ وهل سيكون هذا القرار مقدمة لقرارات مماثلة يتم تمريرها في "الأمن الدولي" ضد دولة الاحتلال، التي أسرفت في التمرد على القرارات الدولية؟
بقي أن نقدم الشكر والعرفان ونرفع القبعات إجلالاً وتكريماً لدول فنزويلا وماليزيا والسنغال ونيوزيلندا، التي تبنت مشروع القرار، ووجهت إهانة لدول عربية أكثر منها قوة، لكنها لم تستطع الإقدام على مثل هذه الخطوة.