قسم الطوارئ في البشير

لحادث عارض، وجدت نفسي في قسم الطوارئ في مستشفى البشير، كانت الساعة قد قاربت السابعة مساء، حدثتُ نفسي وأنا أعبر الشارع المتعرج نحو قسم الطوارئ بنص الدستور الأردني: “ تكفلُ الدولة العمل والتعليم ضمن حدود امكانياتها، وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين”.اضافة اعلان
متلثما بالكمامات، لابسا القفازات، متسلحا بعبوات المطهر الطبي دخلت قسم الطوارئ، لاحظت التواجد الأمني الواضح، الاعتداءُ على الكادر الطبي فعل جبان، ولكن ما الذي يدفعُ إنسانا طالبا للعلاج ليعتدي على طبيب أو ممرض؟
وقفتُ في قسم سجل المرضى، قدمتُ للموظف هويتي الشخصية، أخذها دون أن ينظر إلي، لا يسمع لا ينظر لا يرد على أي سؤال، يقوم بعمله كأنه رجل آلي، أعطاني ورقة، والحقيقة أنني استغربت بفرح أن اسمي موجودٌ في النظام المحاسبي للمستشفى، سألته أين أذهب، لم يعرني أي اهتمام، حيث تولت الأمر زميلته في الشباك المجاور، وهي تؤشر بيدها: تعال، توجهت إليها وقالت لي يمين بيمين قسم الجراحة.
في قسم الجراحة وقف الناس في تقارب اجتماعي حميم، وأقصد ما أقول، لا يلتفت أحد لإشارات التباعد على الأرض، وإذا التفت الواحد منهم يمينا يسكن في ملامح جاره الملهوف، الدكتور –حرفيا– كان يحضنُ عكازه يبدو أن قدمه مكسورة، ولكنه جالس يقوم بواجبه ويعمل دون توقف، وسيل الناس يحاصره بالقلق والأسئلة، (دكتور، وين أروح “المرة بتنزف”، الدكتور: “شو صار معها”، وقعت عليها قاعدة ضو الغرفة)، -هل يحقق أحد في هذه الحوادث مع النساء تحديدا-، (الدكتور انتظر قليلا حتى أتاكد إن كان يتوفر تخت)، انتظر، ينفخ الزوج القلق في الهواء، (الدكتور : اذهب لقسم التمريض).
في قسم التمريض، وقف شاب صارم الملامح قوي الشكيمة، يعمل دون توقف يتكلم بلطف، ولكن بحزم ولسان حاله يقول –روقوا شايف منكم كثير-، وراءه شاب لف ذراعه بشماغ اختلط دمه بلونه الأحمر، وتبدو إشارات الشحوب عليه، أخوه المتأهب “ليتعارك” مع أي كان مخاطبا الممرض، يا معلم ضغطه 70 ممكن تعطيه الإبرة، الممرض لا يرد ولكن يفعل اللازم، لا يلتفت كثيرا لتنظيف الدم، أو تطييب خاطر المريض، الخدمات هنا في حدود اللازم والمهم لحفظ الحياة.
في قسم التمريض كان هذا الممرض المناضل المقاتل وحيدا وبصمت، يعطي هذا إبرة، يأخذ عينة من دم رجل مسن، بفوقية نظرت إليه وإلى تعقيم يديه، وهو يهم بإعطائي الإبرة، خجلت من أن أعلق على إجراءات الوقاية، هو يعرف شغله، ويقوم بكل ما يلزم في الحدود اللازمة لذلك طبيا، وهو قادر على التكيف مع أدواته وبيئته.
في القطاع الصحي مقاتلون شهداء يعملون في ظروف غير طبيعية، في حدود الموارد المتوفرة، ولكن تلك الموارد لا تدار بالضرورة بأسلوب حصيف، لماذا ممرض واحد في القسم؟ لماذا لا نعطي هذا التخصص حوافز استثنائية، كيف نقبل أن يعمل طبيب دون مقابل، أو بمبلغ 350 دينارا شهريا، ما هي المدارس التي أمناها لأولادهم؟، لماذا لا يكون المدير الإداري واقفا مع الناس ينظم الدور والحضور؟، لماذا لا نلتزم بالتعليمات؟، لماذا لم نتعلم في المدارس احترام النظام؟.
يجب علينا أن نخجل من الممرض والطبيب اللذين نعطيهما الفتات، ونطلب منهما تقديم المعجزات، تحية لكل المناضلين والشهداء في القطاع الصحي، القابضين على الجمر، القطاع العام في الصحة والتعليم والمواصلات العامة، طريقنا للنهضة والتقدم، من هنا نبدأ والتخطيط العملي والاستراتيجي يبدأ من حياة الناس من قسم الطوارئ في البشير ومن مثله في أماكن أخرى، يبدأ من دراسة سلوك الناس وحاجاتهم وطريقة تفكيرهم، ويبدأ من وضع حلولنا العملية المحلية بحيث لا نكتفي بالنظريات المجردة ــ على أهميتها ــ .
نعم النهضة تبدأ في الإدارة، وفي وضع حلول عملية لإدارة الموارد المتاحة، يبدو الأمرُ واضحا وسهلا، وهو كذلك لو ملكنا الرؤية والإرادة، فاهم علي جنابك!