"قصتي مع التطوع" شباب ينسجون حكايات ترسم معنى الإنسانية

جانب من حملات تطوعية - (من المصدر)
جانب من حملات تطوعية - (من المصدر)

تغريد السعايدة 

"أن تكون سببا في التغيير بحياة شخص ما.. وسببا في سعادته وفرحه نعمة عظيمة في الحياة وفيها الكثير من الأجر والثواب"، هكذا يتحدث اليافع كرم قدارة عن أهمية التطوع في حياته والمعنى الكبير والإضافة النوعية التي غيرت مساره بالكامل منذ أن أصبح عضوا في جمعية باب الخير.

اضافة اعلان


مئات الآلاف من الأشخاص في العالم يهبون حياتهم للعمل التطوعي لمساعدة كل محتاج حتى بات هذا العطاء الإنساني جزءا لا يتجزأ من الدعم الدولي الذي يقدم للمحتاجين والمنكوبين في العالم.


ولأهمية العمل التطوعي في العالم ووقوفه بالموازاة مع العمل الرسمي والحكومي، خصصت الأمم المتحدة الخامس من كانون الأول (ديسمبر) من كل عام موعداً للاحتفال باليوم العالمي للتطوع، ليكون هذا اليوم تكريما لكل شخص يعمل من قلبه ويدعم الآخرين بالأشكال كافة، من دون انتظار مقابل فقط "العون بهدف العون".


وبالرغم من أن العمل التطوعي لا يقتصر على عمر وفئة محددة، إلا أن الشباب هم الأكثر إقبالاً، فهو يحقق لهم قيمة سامية في الحياة، ويمنحهم شعور العطاء والثقة والتمسك بكل ما هو إيجابي، وهذا ما ظهر جلياً خلال كأس العالم المقام حالياً في قطر؛ حيث ظهرت الكثير من المواقف والقصص التي تحكي قصة المتطوعين الحريصين على أن تظهر البطولة بأفضل صورة. ولأهمية الدور الذي يقوم به المتطوعون، عمد القائمون على تنظيم البطولة إلى تخصيص فقرة في إحدى المرات لتحية وشكر المتطوعين في كأس العالم، والإشادة بالدور الكبير الذي يقدمونه في مساعدة كل من يحتاج إليها.


كرم، الذي لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، لديه في حياته الكثير من المتطلبات، وأهمها الدراسة، ولكنه خصص جزءًا كبيراً من حياته للعمل التطوعي، والتحق بركب المتطوعين في جمعية باب الخير، التي تعمل على مدار العام لمساعدة المحتاجين في مختلف مناطق المملكة. ويقول "بدأت التطوع منذ كنت في الصف السادس بحكم أن عائلتي لديها اهتمام في هذا المجال وفي توزيع طرود الخير على وجه الخصوص".


ولكن، قرر كرم أن يكون عمله أكثر تنظيما وتحت مظلة منظمة، لذلك وجد وجهته في باب الخير، وجذبه الكثير من الأنشطة التي يقومون بها ويكون لها صدى إيجابي كبير في المجتمع. ويرى أن التطوع كان سبباً مباشراً لتطوير ذاته والتخلص من الطاقة السلبية التي قد يشعر بها بين الحين والآخر، وتبعده عن الضغوط اليومية، بل وجذب الكثير من أصدقائه ليكونوا جزءا من هذه المنظومة الخيرية التي تفتح لهم آفاقا اجتماعية وتربوية كبيرة.


"التطوع ساعدني على أن أكون ممتنا وأقدر النعم وأشعر بالآخرين"، يقول كرم؛ حيث تطورت شخصيته وأصبحت لديه شبكة علاقات اجتماعية كبيرة ومميزة، كما أنه من خلال التطوع اكتشف جوانب عدة في مجتمعه والدفع نحو مساعدة الآخرين بكل ما أوتي من طاقة وقوة.


الناشط والمتطوع في جمعية بسمة الحياة يحيى أبو دياب، يقول "إنه في بداية 2007 تعلم التطوع من عائلته ووالده وجده، وانطلق بعد ذلك في المدرسة والمجتمع، حتى انتقل إلى العمل المنظم في جمعية بسمة الحياة القائمة على روح الشباب المتحمسين للعمل الخيري في المجتمع".


هذا دفع يحيى إلى أن يكرس حياته للعمل الخيري، وتطبيق أفكاره الإيجابية على أرض الواقع، خاصة بتعاون الشباب مع بعضهم بعضا، ونقل الخبرات فيما بينهم، والعمل بالتنقل بين إدارة المشاريع وتطبيقها.


وبحسب يحيى، فإن السعادة التي كان يشعر بها من عمل المتطوعين وانعكاس ذلك عليهم، جعلته يستلهم منهم القوة والتعلم من أفكارهم، مضيفا "نحن قادرون على تجاوز الصعوبات التي قد تمر، والعمل الخيري يزيد من الروابط بين المتطوعين؛ إذ تجمعهم علاقات عائلية وروحانية".


ويشير يحيى إلى أن التطوع لا يتوقف على شخص معين، بل إن هناك هما داخليا لكل أحد من المتطوعين، مؤكدا أن روح التطوع في العائلة عمل متوارث بين الأفراد ويتنشر بالتالي في المجتمع ككل.


وفي محافظة البلقاء، وجدت المتطوعة الشابة ساجدة السعايدة نفسها في هذا العالم الرحب من "حياة المتطوعين" على اختلاف اهتماماتهم وخلفياتهم المعرفية والثقافة، وتقول "التطوع بدأ في حياتي مذ أنهيت دراستي الجامعية وبدأت أطرح على نفسي الأسئلة على أمل أن أجد الإجابات".


وتبين ساجدة أنها أصرت على أن يكون لها دور في مجتمعها، لذلك، لجأت إلى إحدى الجهات المعنية بتطوير الشباب في العمل التطوعي "هيئة شباب كلنا الأردن"، والتحقت بإحدى الدورات الخاصة بذلك، منذ العام 2019، ومنذ ذلك الوقت زاد شغفها وحبها للعمل التطوعي ووسعت دائرة معارفها في ذلك المجال، وتحولت من متدربة إلى ناشطة تطوعية في مجتمعها ولا تترك الفرص الإيجابية تمر مرور الكرام في حياتها وإنما تصنع منها عملا تطوعيا يخدمها ويساند مجتمعها.


تقول ساجدة "إن الموضوع تحول لدي إلى شغف، وبدأت بتشجيع كل من حولي على الالتحاق بالعمل الخيري التطوعي وأجتمع بالفتيات وأحفزهن وأدربهن على ذلك ليكن فعالات في مجتمعاتهن"، وتؤكد ساجدة أنها تعمل بكل حب وتفانٍ فيما تقدمه، حتى باتت تعمل مع عدد كبير من المنظمات والهيئات التطوعية.

ساجدة الآن تعمل كميسرة جلسات تدريبية خيرية، وتقدم تدريبات في ذلك، وحصلت على ما يقارب 20 دورة معتمدة، وهي الآن كذلك ضابط ارتباط في "هيئة شباب كلنا الأردن"، التي ترى فيها بيتها الأول في هذا المجال، ولديها طموح بأن يكون "مفهوم التطوع أكثر شمولاً وأن يكون تعدد أشكاله مادة علمية عملية تدرس في المناهج للأطفال لأهميته في تطوير وبناء المجتمع بأكمله".


اختصاصي علم الاجتماع الأسري والمجتمعي مفيد سرحان، يؤكد أن التطوع دليل على الوعي وصدق الانتماء والحرص على المجتمع وأمنه الاجتماعي، وهو إحدى سمات المجتمعات الحية ودليل على حيوية الشعوب ورقيها وتقدمها، ومؤشر إيجابي وسلوك حضاري، مبينا أن التطوع مهم في كل الظروف وهو يسهم في تعميق الشعور بالانتماء للمجتمع والوطن والشعور مع الآخرين.


وبين سرحان "أن الإسلام حث على التطوع، فقال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)، وقال تعالى "فَمَن تَطَوّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ"، وقال صلى الله عليه وسلم (صَنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ، وصدَقةُ السِّرّ تُطفئُ غضبَ الرَّبِّ، وصِلةُ الرَّحِمِ تَزيدُ في العُمُرِ)، وما هذا إلا دليل على أهمية العمل الخيري التطوعي في المجتمعات ككل ولجميع الفئات".


وأضاف سرحان "أن للتطوع فوائد على المتطوع نفسه، فهو يعطي للحياة قيمة ومعنى ويحيي الروح ويجدد العزيمة، وهو جزء أصيل من ديننا الحنيف"، مؤكداً أهمية تعزيز ثقافة التطوع لدى الجميع نظرا لفوائده الكثيرة ومساهماته الكبيرة في تنمية المجتمع وتلبية احتياجاته وأنه رديف للعمل الرسمي ومكمل له.


وختم سرحان قوله "إننا في هذا اليوم نستذكر ثلة من رواد العمل التطوعي الذين قدموا الكثير في كل مكان، كما في جمعية العفاف، على سبيل المثال، التي عمل سرحان مديراً لها"، ويقول "هؤلاء الرواد كانت لهم مساهمات كبيرة ومتعددة وقدموا أعمالا متميزة تركت أثرا واضحا في العمل التطوعي في سائر المجالات".


ويحتفل العالم في 5 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام باليوم العالمي للتطوع؛ حيث أقرت الأمم المتحدة الاحتفال بهذا اليوم، كتقدير وشكر للمتطوعين من حول العالم على الجهود والخدمات والوقت الذي يقدمونه.


يقدم مليارات الأشخاص حول العالم مجهوداتهم ووقتهم وخبراتهم دون مقابل، للمساعدة على خدمة المجتمع؛ حيث يقدمون الدعم للأطفال والمرضى وأي شخص بحاجة إلى مساعدة، بسعادة ورغبة في تقديم المساعدة.


وأطلقت الأمم المتحدة: معًا نعمل الآن؛ شعارًا لهذا اليوم في العام الحالي، وتدعو، باستخدام هذا الشعار، إلى التعاون بين الأفراد لمساعدة المجتمعات المختلفة، وأيضًا على الوحدة والعمل العاجل، وتوجيه التوعية التي تهدف إلى تعزيز العمل التطوعي والدعوة إليه، فضلًا عن الاعتراف بالمساهمة القيمة للمتطوعين في أنحاء العالم كافة؛ حيث تعمل المشاركة الاجتماعية والأعمال التطوعية على مساعدة المجتمعات على الحد من الأعباء التي تواجهها.

جانب من حملات تطوعية - (من المصدر)

[caption id="attachment_1272834" align="alignnone" width="768"]جانب من حملات تطوعية - (من المصدر) جانب من حملات تطوعية - (من المصدر)[/caption]

جانب من حملات تطوعية - (من المصدر)

اقرأ المزيد :